ما أطهر الخُلُق المصري لو طَهُرت ... تلك الرياسات من أهواء موحيها
يا آخذين بقتل النفس قاتلها ... قتلى المواهب لم يُسْمع لشاكيها
كم للنبوغ دماء بينكم سفكت ... باسم المآرب لا اسم الله مُجريها
هلا أقتصصتم لها من ظلم سافكها ... وقلّ فيما جناه قتل جانيها
أولى الورى بقصاص منه ذو غرض ... يخشى المواهبَ تخفيه فيخفيها
مِلءُ المناصب منهومون قد جعلوا ... من دونها سد ذي القرنين يحميها
على مناعة ذاك السد تنفذه ... عصابة تتواصى في حواشيها
من كل أخرق تنسل الحظوظ به ... إلى المراتب يسمو في مراقيها
خابي القُوَى عبقري الجهل يثقله ... عبءُ الرياسة إذ يدعوه داعيها
يا حافرين تراب الأرض عن حجر ... أو جثة في ظلام القبر يطويها
ومنفقين من الأموالِ طائلها ... في البحث عن خِرَق لم يُغْنِ باليها
مستبشرين بما يلقون من تحف ... للقوم أو خزفات من أوانيها
ورافعين من البنيان شاهقه ... فيه الذخائر قد صُفًّت لرائيها
هلا عرفتم لمصرٍ فضل حاضرها ... يا عارفين لمصر فضل ماضيها
إن العصور التي جادت بمن سلفوا ... على الحضارة لم تبخل أياديها
ذُخر المواهب في أحيائكم تحفُ ... بَذّت متاحفكم وصفاً وتشبيها
ما إن يقال لها: لله صانعها ... ولكن يقال: تعالى الله باريها
هبوا النوابغ موتى فاجعلوا لهُم ... حظَّ النواويس أكرمتم مثاويها
جعلتم الحيَّ يرجو حظ ميتكم ... فحظ أحيائكم في مصر يشقيها
أيُحرم النحلُ غضَّ يلفظه ... شهداً، وقد شبعت منه أفاعيها
ويُقتل الروض ذو الأثمار من ظمإٍ ... والماء يروي مَواتاً من فيافيها
من يقتل الجهد يقتل فيه أمته ... وأمة الجهد تحييه فيحييها
إن الشعوب إذا ماتت مواهبها ... نُقاضةٌ أعوزتها كف بانيها
أحمد الزين