لا الضعف يأخذ من قواه ولا الواني ... بأولئك الهممِ الدوائبِ يَعلق
بغى الأولى خذلوه من أنصاره ... والبغي نصرٌ للهداة مُحقق
زعموا الأذى مما يفلُّ مضاَءه ... فمضى البلاءُ به، وجد المصدق
يأوي إلى النَفر الضعاف وإنهم ... لأشد منهم في النضال وأوثق
هم في حمى (الوحي المنزل) صخرة ... تعيي الدُّهاةَ، وجذوة تتحرق
وهبوا لربهم النفوس كريمة ... لا تُفتدى منه، ولا هي تعتق
المؤمنون الثابتون على الهدى ... والأرض ترجف والشوامخ تخفق
رزقوا اليقين، فلا ذليلٌ ضارع ... يطوى الجناحَ، ولا جبانٌ مشفق
جند النبيِّ، إذا تقدم أقبلوا ... والموتُ يفزع، والمصارع تفرق
صدعوا بناَء الشركِ تحت لوائه ... فهوى، وطار لواؤه يتمزق
إن الذي جعل الرسالة رحمةً ... لم يرحم الدمِ في الغوايةِ يهرَق
بعث الرسول معلماً ومهذباً ... يبني الحياةَ جديدةً يتأنق
يتخير الأخلاق ينظم حسنها ... في كلّ ركنٍ قائم وُينسق
عفت الرسوم وأخلقت فأقامها ... شماَء لا تعفو ولا هي تخلق
قدسية الأرجاء، ما برحابها ... عنتٌ، ولا فيها مكان ضيق
تسع الممالك والشعوب بأسرها ... وتفيض خيراً ما بقين وما بقوا
عرفت لحاجات العصور مكانها ... فلكُل عصرٍ سؤلُهُ والمرفق
مَنعت مغالقها الشرورَ وما بها ... للخير والمعروفِ بابٌ مُغلق
فيها لِدنيا العالمين مثابةٌ ... لولا التباعد والهوى المتفرق
(المصلح الأعلى) أتمّ نظامها ... فانظر أينقضه الغبيُّ الأخرق؟
أوفى على الدنيا، وملءُ فجاجها ... بغي يزلزلها، وظلم موبق
والناس فوضى في البلاد يغرهم ... دينٌ من الخبل المضل ملفق
النفس مغلقةٌ على أوهامها ... والعقل مضطهدٌ يضامُ ويُرهق
سَجدوا لما صنعوا! فأين حلومهم؟ ... ولمن جباهٌ بالمهانةِ تُلصق؟
أهيَ التي رَفعوا وظنوا أنهم ... قوم لهم فوق السماكِ مُحلق؟؟