للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهو ماهر في تطبيق المواد على قضيته محكم تطبيقها، وكذلك الناقد والقاضي الذي لا يرجع إلى قانون إلا قانون العدالة المطلقة مخطئ؛ والقاضي الذي يحكم ذوقه وحده مخطئ، والقاضي الذي يدخل الشخصيات في قضيته مخطئ؛ وكذلك الناقد. وكل ما هناك من فرق أن القاضي يحكم وفق قانون موضوع، والناقد الأدبي يحكم وفق قانون لم توضع كل أحكامه ولم تعرف كل مصادره؛ وذلك راجع إلى الفرق بين طبيعة القوانين العلمية والوضعية وقوانين الذوق؛ ولكن على كل حال لا يصح للأديب أن يصدر حكمه بناء على أنه يستحسن أو يستهجن فقط، وإلا كان في استطاعة كل من أمسك القلم أن ينقد. إن كل فرع من فروع الأدب من قصة وشعر ونثر فني له قوانين تبين رقيه وانحطاطه؛ وكل عنصر من عناصر الأدب من خيال وعاطفة ونحوهما له مقاييس تقاس بها درجة قوته وضعفه؛ وكل ما في الأمر أن بعض هذه القوانين عرفت واستكشفت، وبعضها غامض في دور الاستكشاف. ويجب على الناقد أن يرجع إلى هذه الأسس في صدور أحكامه كما يرجع القاضي إلى قانونه؛ وهذا يسلمنا إلى القول بأن الناقد الحق يجب أن يكون مثقفاً ثقافة واسعة عميقة، وأن يبني حكمه على علل معقولة كما يبني القاضي حكمه على (حيثيات) واضحة، ولسنا ننكر أن الأديب يعتمد في حكمه على ذوقه وشعوره بالجمال والقبح، ولكن لا يعد هذا الذوق راقياً إلا إذا أسس على علم واسع ومعرفة بقوانين الأدب.

وهكذا ضرب لا يزال ينقصنا منه الشيء الكثير؛ فأكثر أحكامنا على النتاج الأدبي أحكام مجردة لا تعلل بعلل مقنعة، ولا يرجع فيها إلى قوانين ثابتة، وبذلك تفقد قيمتها ويقل احترامها.

لقد قال قائلون إنك تعيب النقد العربي ولا تنقد، وتعيب قلة الجرأة ولا تجرؤ، وتدعي قلة النقد ولا تبني في بنائه الذي تنشده حجراً.

قد يكون هذا صحيحا ولكن هل من العيب أن يشرح المريض مرضاً عاماً أصيب به هو وغيره؟ وهل من الشر أن يرفع صوته بالشكوى من كان هو وغيره سبب الشكوى؟ وهل يحجر على الإنسان أن يقول إن هذا ليس بجميل إلا إذا كان جميلاً، وليس بعادل إلا إذا كان عدلاً، وليس أبيض ولا أسود إلا إذا كان هو أبيض أو أسود؟ إن مطالبة الإنسان ألا ينقد إلا إذا كمل، وألا يعيب إلا إذا خلا من العيب يحقن في نفوس الناس آراءهم وقد تكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>