وحنة فيفانتي صديقة وفية لمصر، ويرجع تاريخ هذه الصداقة إلى يوم آزرت الوفد المصري وهو واقف بباب مؤتمر الصلح في باريس. وكانت من أخلص أصدقاء المغفور له سعد زغلول باشا، وطالما أيدته في صحف بلادها؛ ولا عجب أن توحي إليها هذه الصداقة وتثمر فيها الضيافة التي لاقتها في وادي النيل كتابة رواية (أرض كيلوباترا التي بدأتها بالرحيل إلى مصر، إذ تقول:
حقاً إنني أحلم حلماً جميلاً من تلكم الأحلام الذهبية المترامية الأطراف؛ فعندما يستيقظ الإنسان في الصباح، ويحاول أن يقربها إلى ذهنه تفر أشباحها بعيدة عنه، ولا تلبث أن تختفي في وادي النسيان. برهة وجيزة أستيقظ بعدها فإذا بي في صحراء ليبيا، فوق بعير يجوب في الصحراء متجهاً نحو قبر الملك الشاب توت عنخ آمون. يقود زمامه إعرابي طويل القامة، عريض الهامة، وتتفتح عيناي عن هذه الصحراء الذهبية، فإذا بسرب من الفلاحات المصريات يرتدين أردية سوداء، وفوق رؤوسهن جرار الماء، وعندما أقترب منهن يحدقن في بعيونهن الدعجاء، قائلات: (سعيدة نهارك لبن)
واستطردت الكاتبة في وصف مشاهد الصحراء وأسواق القاهرة، إلى أن أتت على مقابلتها للمرحوم زغلول باشا فقالت:(وفي غداة يوم وصولي إلى القاهرة قصدت إلى بيت (الرئيس الجليل) الذي استقبلني واقفاً خلف مكتبه، وعلى رأسه ذلك الطربوش الأحمر الذي لا يرفعه المصريون للتحية، بل يبقونه فوق رؤوسهم كرمز للوقار. ويبدو لي الرئيس كما كنت أعرفه في باريس منذ سنوات؛ فلا العظمة ولا الاضطهاد، ولا النفي ولا الهتاف باسمه في الشوارع، استطاع أن يغير هذه الهامة الطويلة، ويضعف من ضياء عينيه الوقادتين. وكانت تقف إلى جانبه (صفية زغلول) التي حيتني باشة مبتسمة. ودار الحديث بيننا بالفرنسية إذ أنها لغة الأجانب الرسمية في مصر، ولأن البحث في الإنجليزية أمر بغيض إلى قلوب المصريين، وما إن بلغته تحية أصدقائه من كتاب إيطاليا وصحفييها الذين أحاطوا قضية بلاده بعطفهم حتى قال:
- إنك كنت صديقة هذه البلاد، وقد أعطيتها محبتك قبل أن تريها؛ فها هي ذي أمامك! اذهبي إلى أي مكان تشائين، عسى أن تتكشف لك نفسية هؤلاء الفلاحين المساكين، فهي نفسية نبيلة شريفة لكنها مجهولة.