للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الثابت، فتتراجع إلى منطقة من العقل مسماة (بالمنطقة اللاشعورية)، أو (منطقة ما تحت الشعور)، وتبقى فيها حتى تجد فرصة سانحة للانتقام من الذات المركزية والهجوم عليها، وحينئذ تقدر أن تغير خططنا للعمل، وتفسد أفكارنا، وتشيد أحلامنا وأوهامنا، أو تجرنا إلى تصورات سيرتنا الأولى التي كنا تركناها طوع سنة الارتقاء على مسافة شاسعة، فالدين عند فرويد مخلوق هذه المهيجات والدوافع المرفوضة، وثمرة اقتحامها الذات المركزية.

يخالف الدكتور إقبال هذا الرأي السقيم أشد المخالفة؛ وقد وضح ذلك في محاضرة ألقاها بجامعة هندية، إذ قال: (إن من تجرد الشيطانية عن سلطة الألوهية أن قام فرويد وأنصاره بخدمة للدين تفوق التقدير؛ إنني لا أستطيع أن أمتنع عن القول بأن النظرية الأساسية في علم النفس الجديد هذا لا تظهر لي مؤيدة بدليل قطعي حاسم. فلو كانت مهيجاتنا ودوافعنا المتشردة تهاجمنا في الحلم أو في الأوقات الأخرى التي لسنا فيها في حالتنا الأصلية، فلا يتأتى من ذلك الهجوم أنها تبقى مسجونة في مكان يشبه مكان سقط المتاع وراء ذاتنا الطبيعية. إن هجوم هذه المهيجات والدوافع المكبوتة على منطقة ذاتنا الطبيعية يفضي أكثر إلى تبيين أن لنظام ردنا العادي تمزقا وقيتاً من أن يثبت وجودها الدائمي في زاوية مظلمة من العقل (أما القول بأن العقائد والمذاهب الدينية ليست إلا نظريات الطبيعة الابتدائية التي سعى بها الإنسان لإنقاذ الحقيقة من قبحها العنصري ولجعلها شيئاً أقرب إلى القلب من غير أن تسمح بذلك حقائق الحياة، فلا أنكر أن هناك أدياناً وأمثالا من الفن تحث الإنسان على الهروب من حقائق الحياة وتساعده عليه، ولكن الذي أريد أن أقول هو إنه لا يصدق على جميع الأديان. فلا نزاع في أن للمذاهب والعقائد مضامين تتعلق بما وراء الطبيعة، ولكنه أيضاً بين أنها ليست تفسير مدلولات الاختبار الذي هو موضوع بحث العلوم الطبيعية. إن الدين غير علم الطبيعة، وعلم الكيمياء اللذين يشرحان الطبيعة بقانون السبب والمسبب، إنما الدين يقصد التعبير عن منطقة الاختبار الإنساني الذي يختلف عن غيره تمام الاختلاف - الاختبار الديني - الذي لا يمكن أن تحول مدلولاته إلى مدلولات أي علم آخر. وفي الحق إنه يجب علينا أن نقول في إنصاف الدين إنه أصر على ضرورة الاختبار المعين في الحياة الدينية قبل أن يعرف ذلك العلم بكثير. فالخصام بين الدين والعلم ليس بقائم على أن لأحدهما وجوداً والثاني لا وجود له، بل على الاختبار المعين. فكلاهما يقصدان الاختبار

<<  <  ج:
ص:  >  >>