فلخص ما أسلف فيه القول، ولم يبقى عليه بعد هذا إلا أن يضع لهم طائفة من الأسئلة يتناول بها آفاق الموضوع شأنه في ذلك شأن المدرسين الذين يضعون لتلامذتهم مصنفات تتناول برامج الدراسة المقررة. .!
والأستاذ أحمد أمين أديب عالم، ولكنه قد سلك مسلك الأدباء في الكتاب الذي صنفه بالاشتراك مع زميله الأستاذ زكى نجيب مؤثراً هذه الطريقة مقتنعاً بها راضياً عنها. وكذلك قل في الأستاذ يعقوب وإيثاره للطريقة التي أسلفنا الإشارة إليها الآن؛ وأكبر الظن عندي أنه لا يستطيع غيرها إن لم يكن مقتنعاً بها.
وأنه غير نادم على عجزه عن (تأديب) الفلسفة. لأنه لا يحترم الأدب ولا يكبر أهله. فالأديب رجل مُخَرِّف لا تعنيه إلا زخرفة اللفظ وبهرجة الأسلوب اللغوي. .! فان كان القارئ قد تملكه العجب لهذا التعبير فليسمع نَصَّ ما يقوله الأستاذ يعقوب فام ص ٧٢:
(هل العقل الإنساني مرآة فقط ليس لها من عمل سوى أن تعكس الحقائق الخارجية دون تصرف أو تدخل من ناحية؟ أم هو كالفنان الذي يتناول قطعة الحجر ويصنع منها تمثالاً جميلاً منظماً متناسباً؟ أم هو لا هذا ولا ذاك وإنما يشبه الأديب الذي يخلق الأشخاص والحوادث والبيئة المحيطة بهذين خلقاً من العدم؟ (العفو!) على الإجابة عن هذا السؤال يتوقف الشيء الكثير. فلو قلنا إن العقل كالمرآة كنا من أتباع فلسفة الواقعيين؛ وإن قلنا إن العقل كالأديب يخلق الكون خلقاً، وإن الأشياء لا وجود لها في ذاتها وإنما وجودها يتوقف على العقل وحده كنا من أتباع الفكريين يزعمون أن الحقيقة هي عقل أو فكر وأن المادة شيء وهمي لا وجود له. وأما إن قلنا إن العقل يكيف الحقائق الخارجية كما أن. . . . . الخ).
هذه هي نظرية الأستاذ إلى الأدب وأهله. ولست أعرف في الأدب مذهباً يتيح لصاحبه أن يخلق من العدم أشخاصه وحوادثه وبيئته - إن كان في وسعه أن يفعل ذلك - والغريب أن يفرق الأستاذ الكريم بين الأدب والفن هذه التفرقة العجيبة التي لم أسمع بها على هذا النحو من قبل اليوم. ثم كيف يخلق الإنسان من العدم بيئة تعج بالحوادث والأشخاص؟ أبا لخيال؟ إن عجبك ليشتد وينمو حتى يملأ شعاب نفسك حين ترى الأستاذ يقول ص ٨٣ ما نصه:
(هذا الشعور الخفي بالحق (عند المتصوفة) يقابل الخيال عند الرجل العادي. فالخيال ينتج