للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آه ما ألطف هذه المخلوقة التي لم تملها عيناي وما أجملها! كنت بالأمس أشاهدها أحياناً في الشتاء وأنا عائد في المساء من الحظيرة إلى المزرعة لأتناول طعامي، فكانت تدخل غرفتها وهي في زينتها وكبريائها دون أن تكلم أحداً من الخدم. . . حينئذ علمت أني ما تأملتها من قبل في مثل هذا القرب. وبعد أليست الآن واقفة أمامي في هذه الخلوة التامة فلم لا أعانقها؟

ولما أفرغت (ستيفانيت) السلال أخذت تتأمل ما حولها باهتمام ثم نزعت ثوبها الفضفاض، الذي لا ترتديه ألا أيام الآحاد، خوفاً عليه من التلف، ودخلت المراح تريد أن تشاهد المكان الذي أنام فيه، وفراش القش المغطى بفروة الخروف، ومعطفي الضخم المعلق على الجدار، وهراوتي الغليظة، وبندقيتي العتيقة، فكان في هذه الأشياء مسلاة لها.

- إذن أنت تقضي أيامك في هذا المكان أيها الراعي المسكين؟ لا بد أن تكون قد مللت الحياة في هذه الوحشة وتلك العزلة! وإلا فقل لي ماذا تفعل، وفيم تفكر؟

فهممت بأن أجيبها: (أني أفكر فيك يا سيدتي) كما هو الواقع، ولكني كنت في حالة اضطراب شديد، فلم أجد كلمة واحدة أقولها لها. ولما توسمت وجهها لاحظت أنها شعرت بما يجول بخاطري، وكأني بها أرادت أن تزيد في حيرتي وتلعثمي لتتلذذ في قرارة نفسها، فقالت:

- وصديقتك العنزة الذهبية اللون، هل تزورك أحياناً؟ أنا لا اشك في إخلاص هذه الشيطانة التي لا يلذ لها الجري إلا على رؤوس الجبال. . .

ولكن ستيفانيت بوجهها الضحوك، ورأسها المنحني، وإسراعها في العودة إسراعا كاد يجعل في زيارتها إغماضة عين، كانت أشبه بهذه الشيطانة المذكورة.

- أستودعك الله أيها الراعي.

- سلاماً يا سيدتي.

ولم أتم جوابي حتى كانت في طريقها وليس معها غير سلالها الفارغة. ولما اختفت عن ناظري في المنحدر خلت أن الحجارة المتناثرة من حوافر الدابة كانت تقع على قلبي واحدة بعد واحدة.

ومع أنها أصبحت بعيدة عني فقد ظل صوت الحجارة المتناثرة يدوي في أذني. وبقيت حتى أزف المساء كأنني في غفوة لا أتحرك من مكاني خوفا من أن يتبدد هذا الحلم اللذيذ.

<<  <  ج:
ص:  >  >>