للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قال الراوي: فقلت لصديق معي: قل لهذا الشيخ ليس معنى الأثر ما فهمت، بل تأويله أن آخر الزمان سيكون لهذه الأمة زمن جهاد واقتحام وعزيمة ومغالبة على استقلال الحياة فلا يصلح لوقاية الأمة إلا شبابها المتعلم القوي الجريء كما نرى في أيامنا هذه فينزلون من الكبار تلك المنزلة إذ تكون الحماسة متممة لقوة العلم. وفي الحديث: أمتي كالمطر لا يٌدرى أوله خير أم آخره.

قال الراوي: ولم يكد الصديق يحفظ عني هذا الكلام ويهم بتبليغه حتى وقعت الصيحة في المكان فجاء أحد الخطباء ووقف يفعل ما يفعله الرعد، لا يكرر إلا زمجرة واحدة. وكان الشيوخ الأجلاء قد سمعوا كل ما قيل فأطرقوا يسمعونه مرة رابعة أو خامسة. وفرغ الشاب من هديره فتحول إليهم وجلس بين أيديهم متأدباً متخشعاً ووضع الصندوق المختوم

فقال أحد الشيوخ: ممن أنت يا بني؟ قال: من جماعة الأخوان المسلمين. قال الشيخ. لم يخف علينا مكانك وقد بذلتم ما استطعتم فبارك الله فيك وفي أصحابك

وسكت الشاب وسكت الشيوخ وسكت الصندوق أيضاً ثم تحركت النفس بوحي الحالة فمد أولهم يده إلى جيبه، ثم دسها فيه! ثم عيّثَ فيه قليلاً؛ ثم. . . ثم أخرج الساعة ينظر فيها

وانتقلت العدوى إلى الباقين فأخرج أحدهم منديله يتمخط فيه. وظهرت في يد الثالث سبحة طويلة. وأخرج الرابع سواكا فمر به على أسنانه. وجرَّ الخامس كراسة كانت في قبائه. ومد صاحب اللحية العريضة أصابعه إلى لحيته يخللها. أما السابع صاحب (اللالحية) فثبتت يده في جيبه ولم تخرج كأن فيها شيئاً يستحي إذا هو أظهره أو يخشى إذا هو أظهره من تخجيل الجماعة

وسكت الشاب وسكت الشيوخ وسكت الصندوق أيضاً

قال الراوي: ونظرت فإذا وجوههم قد لبست للشاب هيئة المدرس الذي يقرر لتلميذه قاعدة قررها من قبل ألف مرة لألف تلميذ. فخجل الشاب وحمل صندوقه ومضى

أقول أنا: فلما انتهى الراوي من (قصة الأيدي المتوضئة)، قلت له: لعلك أيها الراوي استيقظت من الحلم قبل أن يملأ الشيوخ الأجلاء هذا الصندوق، وما ختم عقلك هذه الرواية بهذا الفصل إلا بما كددت فيه ذهنك من فلسفة تحول السيف إلى خشبة. ولو قد امتد بك النوم لسمعت أحدهم يقول لسائرهم: بمن ينهض إخواننا المجاهدون وبمن يصولون؟ لهذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>