للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما يقوله جميع الأصدقاء لإخوانهم القدماء من سرائر القلب ونجاوى الضمير؟

هل تستطيعين أن تري دون أن يلوعك الحزن ويرمضك الأسى شبحينا يطوفان بمواقع خطواتنا، ومواضع خلواتنا، وأن تريها تقودني في عناق مكتئب إلى ينبوع منتحب يئن في خفوت وهمس؟

وإذا ما لجأ عاشقان إلى جوارك، واختفيا عن العواذل تحت ستارك، وخبآ سرورهما بين أزهارك، فهل تسرين إليهما هذه الكلمة:

(أيها الراتعان في رياض الحياة! اذكرا من طوح بهما الدهر في قفار الموت!)

لعمرك ما هذه المروج والعيون والغابات والسماوات والبحيرات والسهول والحزون إلا عادة مستردة! يعيرنا الله إياها لحظة من الزمن لنضع فيها قلوبنا وأحلامنا وغرامنا ثم يستردها.

ثم يطفئ بعد ذلك سراجنا ويدفن في حلك الليل شعاعنا. ثم يوحي إلى الوادي الذي انطبعت فيه صورنا ونفوسنا أن يطمس آثارنا، ويمحو أسماءنا وأخبارنا.

لا بأس!! أنسينا أيتها الدار! وانكرينا أيتها الحديقة! ولا تذكرينا يا ظلال! واحتل عتبتنا يا عشب! وغط آثار قدمينا يا عوسج! وغردي أيتها الطيور! وتدفقي أيتها الجداول. وتكاثري أيتها الأوراق. فان الذين طويتم صحيفة ذكرهما لا ينسيان!

وكيف ننسى وانتم خيال الحب نفسه! أنتم الواحة التي يلاقيها المسافر في وقدة الصحراء، والخلوة العظمى التي بكينا بها أحرّ بكاء، وكل منا يده في يد الآخر!

كل الأهواء تمضي مع العمر. بعضها يحمل نقابه وبعضها يحمل مديته كدبر النحل يسافر جذلان شاديا وجماعته تضمحل وتقل وراء الأكمة.

إلا إياك أيها الحب فلا شيء يمحوك! أنت السحر وأنت الفتنة! وسواء أكنت مشعالا بدويا أم مصباحا حضريا فأنت الذي تشرق في العيون وبين الضلوع، وتستولي علينا بالبسمات وخاصة بالدموع! أن الناس في الشباب يلعنونك، ولكنهم في المشيب يعبدونك!

<<  <  ج:
ص:  >  >>