غاندي عداءه للجسم وتوهينه له وتهريجه لروح على حسابه، وكان يرى أن الجسم نصف الإنسان والروح نصفه الآخر، وأنه ينبغي أن يعنى بهما بمقدار واحد، لا أن نوهن أحدهما على حساب الآخر، فليس روح سليم إلا في جسم سليم، وقد ظل طاغور يشهر من أدبه أسلحة مهلكة على تعاليم غاندي، وبذلك تم له الفوز، وانتشل من يديه شباب بلاده الذين أخذوا يدمنون قراءة قصصه بشغف وتلذذ، بعد ما كانوا يكرهونها بسبب غاندي
قصص طاغور
كان طاغور شاعر قبل أن يكون قصصياً، وأشعاره هي غناء الروح، وبلسم القلوب الجريحة، وشفاء النفوس المكلومة؛ وأغانيه هي هتاف الغاب، وموسيقى أحراش البنغال، ورفيف النسيم الحلو على حقول الأرز فوق عُدْوَتي الكنج! ومن أمتع أشعاره التي كتبها بالإنجليزية (البستاني حيث تبدو مهارته في مزج الحب بالبكاء، والألم بالغزل، والعبوس بالابتسام
وبين طاغور الشاعر وطاغور القصصي صلة لا تنفصم، ذلك أنه يضفي روحه الشعرية على قصصه، فتخرج قصائد طويلة منثورة تنقع غلة القلب، وتؤدب النفس، وتسمو بقارئها فوق أدران البشرية، وتحلق به في سموات من النقاء والصفاء
بيد أننا نفضل أقاصيص طاغور على قصصه، وذلك لبراعته التامة في كتابة القصة القصيرة، وفشله الذريع في القصة الكبيرة؛ فمن يقرأ مثلاً روايته (الضحية)، أو (وكيل البريد)، أو (خالتي)، أو (الناسك). . . . . . الخ روعه من طاغور ذلك الخيال الخصب، والتفكير العميق، والفن الكامل في كتابة القصة أو الرواية
ولكنا، بكل أسف، حينما قرأنا قصته الطويلة (الغرق) وجدناه ينحدر عن ذروته السامية التي كان يحلق فوقها في القصة القصيرة، وذلك لأنه كان كلما وقع خلال القصة في ورطة، أو وصل إلى عقدة لم يجد منها مخرجاً إلا بالركون إلى (الصُّدفة)، ولذا كانت القصة كلها مصادفات قللت كثيراً من قيمتها كقصة من فن طاغور. ذلك بالرغم مما فيها من طلاء الأسلوب وحلاوة الروح الشعري الجميل الأخاذ.