فابعث لنا من عزمها عُدَةً ... فلو سألتَ الدهر لم يبخل
ولو نهيتَ الدهر لم يَعْتَدِ ... ولو زجرتَ الدهر لم يُقبِل
والدهر كم تَسْحرُ أحداثُهُ ... لب غضيض اللب والمِفصل
أي حكيم قد رأى ما رأت ... عيناك في الدهر ولم يذهل
يا ناظرا ينظر هذا الورى ... نظرة طرف الناظر المُعضِل
انظر إلى الأقدار في غيبها ... واذكر مآل العيش في المُقبِل
أغابر الأيام في صرفها ... كمُضمَرٍ في الغيب مُستقبل
أَمالِكٌ عُوجلَ عن مُلكه ... كذي علاء بَعُدَ لم ينزِل
وللناس حلْيُ القاهر المُعتلي ... يألم نار الحاذق الصيقل
يصوغهم كل غَلُوبٍ على ... سنة مُلكِ الرمح والمنصل
كم عَبْرَةٍ للناس أبصرتها ... وعبرةٍ للهاطل المُسبِلِ
فهل دموع النحس تحي الورى ... مثل عقيب المطر المرسل
أراك لا ترثي لما نابَهم ... يا ليتني مثلك لم احفل
ومقلة تخبر ألحاظها ... أنَّ عيون الدهر لم تُسمل
والدهر وهو الساهر المعتدي ... يُغضي وعين لك لم تغفل
ورب لحظ منك قد رِشْتَهُ ... في قلب هذا الدهر كالموغل
فابحث خباياه وأحناءه ... واكشف لنا عن ذلك الغيطل
كأَن روح الدهر تبغي به ... وكُناً لها اُحْكِمَ كالمعقل
تحسبه لو جئته ناشداً ... معنى حياة الناس لم يجهل
يا من سؤال العيش في صمته ... اسأل ومن لم يَدْرِه فاقتُلِ
كم امتطى الأيام تجري به ... كأنه والخلد في منزل
كم عَبَّ لج الدهر ثم انثنى ... إلا بقايا الماء في الجندل
كأنه منتظرٌ مَوعِدا ... حُيِّنَ كي ينطق بالمِقْوَلِ
لوفاه يوماً ذاكراً سره ... لم يعجب الرائي ولم يَعْجَل
أو انه المسحور في صمته ... قد كان يمشي مِشيَةَ المُشبِل