للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحتدم في قلوبهم من قوة العاطفة وشدة الخيال فيسكبون عواطفهم في قالب من الألفاظ السحرية التي تليق بالمتنبي وعبقريته الخالدة. إن فكرة هذا المهرجان ليست وليدة الساعة بل هي فكرة قديمة خطرت ببال حكومتنا منذ الصيف الماضي فحالت دون تحقيقها إذ ذاك عقبات كثيرة، ولما ذللت جميع العقبات أحبت الحكومة أن تجعل أيام المتنبي داخل أيام المعرض الصناعي لتبرهن بعملها هذا على رغبتها في إحياء النهضتين الأدبية والاجتماعية معاً

ونحن إذا أقمنا هذا المهرجان لمرور ألف عام على وفاة المتنبي فإنما نقيمه لأن بينه وبين سوريا صلة قوية. فقد جاء المتنبي من العراق إلى سورية وهو شاب معدم فعانى فيها ما يعانيه شبان اليوم من مشاكل العيش وضيق أبواب الرزق ولم يزل يتنقل بين منبج وانطاكية واللاذقية وطرابلس وحلب ويمدح أمراء سوريا حتى اتصل بسيف الدولة أعظم ملوك بني حمدان وصار شاعره الخاص وعاش في بلاطه فانكشفت قريحته وجاد شعره وتحسن خياله ورق لفظه بما لقيه من حفاوة الأمير وعنايته به، ولو بعث اليوم سيف الدولة لما اتخذ لنفسه شاعراً غير المتنبي لأن المتنبي لا يزال حتى اليوم يعبر بشعره عن عواطف كل منا، فهو شاعر العروبة ورمز العواطف القومية، يجد كل منا في شعره نزوة الشيوخ وصور العدل والرحمة كما وصف الظلم والقسوة وتغنى بالأباء والكرم والعز والشجاعة كما بكى على المجد المفقود والأمل الضائع، فنحن نفاخر بشاعر أمراء سوريا بل بشاعر سوريا والعراق ومصر وننقل إليه من وراء حجب الزمان عاطفة شعب تثقف بشعره وتغذى بإحساسه حتى خالط لحمه دمه

فإن تباعدت الأقطار فإنها حول المتنبي لتجتمع، وإن نفرت القلوب فأنها في أبي الطيب لتتحد، وليس أدل على هذه الوحدة من اجتماعكم لإحياء ذكرى هذا الشاعر الخالد. فأشكركم جميعاً على ما تحملتموه من المتاعب وتحملتموه من عناء السفر وأشكر فخامة رئيس الجمهورية على رغبته في جعل هذا الاحتفال احتفالاً رسمياً كما أشكر بصورة خاصة فخامة المفوض السامي على عنايته بهذا المهرجان وإعانته المادية والمعنوية معاً، وأشكر ممثلي الجامعات العربية والأجنبية المختلفة ووفود الأقطار العربية الشقيقة وجميع الخطباء والشعراء على ما أكسبوه إيانا من الشرف بكتاباتهم وما أحدثوه في هذا المهرجان من البهاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>