للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتستحيل كآبة نفسها دموعاً كاوية فتفضح وجومها وآلامها

وآن ذهاب السيدات فقمن يودعن الأم والفتاتين بالسلام والتقبيل، فلثمن ثغري سعاد ومليحة ليشممنها فيعلمن إذا كانت فيهما رائحة تكره، وعانقنهما لينشقن إبطيهما لعلهما تعرقا، وهصرنهما إلى أجسامهن ليحسسن هل هو عظم جاثم أم لحم وهو لطيف، وكانت الأم والبنتان يشيعن الزائرات بمنتهى المجاملة والإغراء

كانت هذه الزورة المأنوسة يوم سعادتهن المشهود، فما أغلق الباب خلف السيدات حتى انثنت الأم إلى ابنتيها الجميلتين تدعو الله لهما بفتح البخت ومجيء النصيب السعيد، وأن يقيض لهما زوجين من أحسن الرجال وأغناهم، ثم سكتت إذ شعرت أنها استرسلت في الدعاء لهما دون هاجر فقالت وهي تشير إلى غرفتها وأنت يا (هاجر) الله لا ينساك يا حنونتي)!

بعد أسبوعين كنت ترين يا صديقتي في إصبعي سعاد ومليحة خاتمي الخطبة، وكنت أتردد على بيتهما لأساعد الأم وهاجر في إعداد الجهاز، أما هاجر الكئيبة فكانت ترنو بعينيها إلى الخاتم الجاثم في يد أختها فيحز في روحها الشعور المؤلم بالحقيقة الراهنة، فتجاهد حسها وتكابد العذاب في مغالبة ما تعانيه من قلق واضطراب لئلا يقال: إن غمامة من الغيرة والحسد تخيم على نفسها فتسيء إلى سمعتها، وبرغم ذلك كله كانت تنتابها من حين لآخر نزوات من السخط، فتدعي بأنها تبرم بأعمال البيت المرهقة واستعجال الأهل في تهيئة الجهاز بوقت حرج قريب

لقد تزوجت الأختان ويعلم الله كيف حضرت هاجر عرسيهما، إنها لم تسمع الغناء بأذن واعية، ولا أبهت للرقص، ولا ذاقت من صفوف موائد الحلوى

لم تحقد هاجر على أختيها وإنما كان في قلبها غضب على الأيام كالنار في الحشا تتمنى لو أن الله خلقها جميلة فاتنة أو خلقها ذكراً

أصبحت هاجر وحدها في البيت مع أمها وأبيها، وقد جاوزت الثلاثين فكانت تعيش في نضال دائم بين الأمل والقنوط، وتتساءل بحرقة وحيرة عما تتوقع من الأيام وهي تمر وشيكة عجلى، أيشفق الحظ عليها وإن تقدمت سنها، أتهيئ الأقدار لها حياة زوجية كأختيها؟ ألا يوجد بين الرجال من يؤثر جمال الخلق والنفس على جمال الجسم والوجه؟ فتزدحم في

<<  <  ج:
ص:  >  >>