وفصل الخطاب أن تحترف التعليم فعينت في المدرسة التي نشأت فيها وثقفتها
كان بين هاجر العانس ومديرة المدرسة دالة ومودة، فكانت تستشف في أحاديث هاجر حسرة ومرارة وتبرما بتكاليف الحياة، فتنفس عنها - بعطفها ولطفها - بعض ما يحتدم في نفسها من ضيق وانقباض
وعهد في المدرسة إلى هاجر بتعليم العربية لبعض الصفوف الابتدائية، فكانت شديدة العناية بتعويد التلميذات حسن الإلقاء وتجويده، وكلما آنست منهن تقدما ونجاحاً أوصتهن بالمثابرة على لهجتهن التي أخذنها عنها، إذ كان أملها القديم الذي غدا أوهن من بيت العنكبوت يعاودها الفينة بعد الفينة، ويوقظ فيها ما رقد من رجاء في الزواج، فتقول للتلميذات: حافظن على لهجة الإلقاء فربما لا أعود إليكن في العام القابل
جالت المديرة مساء يوم أرجاء المدرسة وراقبت صفوفها، فوقفت بباب صف سمعت فيه لغطا ولغوا، فاقتحمته وهي تظن أن ليس ثمة معلمة فيه، وشد ما شدهت حين رأت هاجر تحدق بنظرها في الأفق البعيد دون أن تتنبه لوجودها
تقدمت إليها المديرة بلطف وابتسام، وسألتها: فيم تفكرين يا هاجر؟ فأجابت: إنني أتأمل هذه الطفلة الجالسة ههنا، وأشارت إليها ثم أردفت قائلة:
انظري يا سيدتي مآسي الدهر ومهازله؛ إنني أفكر في أم هذه الطفلة، فلقد كانت تلميذتي!.