للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وروسيا الحديثة، وإيطاليا الحديثة. . وقد يكون كذلك خالق بريطانيا الجديدة، ودافعها إلى رقيها الفكري والخلقي الذي كادت تتفرد به بين الأمم. على أن الذي لا يقبل الجدل أن القصة قد تقدمت في أوربا وأمريكا في العصر القريب الذي نعيش فيه، فغمرت سوق الأدب، وتمتعت من الأدباء المتأدبين بعناية غلبت كل عناية، وإقبال فاق كل إقبال وجهود بذت كل جهود. .

وإذا كان الغرب اليوم في أوج عزه وعظمته؛ وإذا كان مع ذلك منكباً على فن القصة أي انكباب، فذلك دليل ساطع على أن هذا الفن جدير بالعناية خليق بالاهتمام. .

ولقد عرف الغرب كيف يحتفي بفنانيه عامة، وقصصييه خاصة، وكيف يكرمهم ويكبر فيهم فنهم وفضلهم العميم، فأتاح لهم أن يكونوا من قادة العقول في المقدمة، وأن يفرغوا إلى فنهم فيهبونه وقتهم وجهدهم جميعاً، بما ضمن لهم من وسائل المعيشة والرزق الكثير، وبما هيأ لهم من ظروف يخلون فيها لدراساتهم الطويلة، ويلمسون فيها جوانب الحياة في مختلف الجماعات ومتباين الطبقات. . .

ولقد ظل الأدب العربي مفتقراً إلى القصة في جميع عصوره الأولى؛ ويلوح أن الأمية والبداوة في العهد الجاهلي قد ساعدتا على إهمال الفنون الجميلة - ومن بينها القصة - وأن كل ما تمتع به العرب من ضروب الفن الجميل إذ ذاك هو ما حملته ألسنة الرواة من الشعر والنثر، وما ترنم به حداة الإبل من موسيقى بسيطة. .

على أن النهضة الإسلامية التي حمل رايتها محمد صلى الله عليه وسلم، كانت في حاجة إلى القصة أيضاً؛ لذلك كان القصص في القرآن جانباً خطيراً من جوانب الاعجاز، وعاملاً قوياً في تهذيب نفوس أولئك الجاهليين، وقوة رائعة تضافرت مع ما خص الله به محمداً فاستطاعت أن تخلق من أشتات الجاهليين في شبه الجزيرة أمة لم يشهد مثلها التاريخ القديم أو الحديث.

فالقرآن الكريم إذن أول من أدخل القصة على الآداب العربية، ودفع بها إلى مقام العناية. .

وطبيعي أن يعني القرآن بالقصة، فهو الداعي إلى الكمال العلمي والروحي والخلقي، الجامع لأنواع العلوم والفنون عامة، والدستور الخالد الذي ينظم حياة إنسانية عالية الأركان دائمة على الزمان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>