قالت - وهي تضحك - وهل تراني اليوم هنا إلا لأسمع. . تفضل يا سيدي ونور عيني. . . وماذا أيضاً؟).
قلت:(وتاج رأسك! اسمعي. . . إن الفتور يغشي جسمك كما تقولين، وأنا رأسي يكاد يطير مذ عرفت أن هذه الطباخة الكريهة الوجه قد تخلت عنا في يومنا هذا، فما قولك في أكلة ناشفة خفيفة نصنعها هنا أو نشتريها؟).
فقالت وقد لمعت عينها:(لماذا؟).
قلت:(وندعو لولو وسيلما - من أقربائنا - ونذهب جميعاً ومعنا الأولاد إلى القناطر الخيرية، فنقضي يوماً هناك بين الخضرة والماء).
وحشرتهم جميعاً في السيارة، ودسست السلة التي فيها الطعام والشراب في مكان مجعول لما يحمل المسافر من زاد ومتاع، وكانت الساعة الثانية مساء حين انطلقنا فبلغنا القناطر بعد نصف ساعة، فحملنا أشياءنا وتركنا السيارة في حراسة رجل من الواقفين هناك المستعدين لمثل هذه المهمات، وتخيرنا مكاناً يشرف على الماء وتظلله أشجار باسقة وبسطنا السجادة وألقينا عليها صفحات من جرائد الصباح والمساء ووضعنا عليها الصحون والصواني ثم شرعنا نأكل. ولم يكن الطعام فيما يبدو لعيوننا الفارغة كثيراً، فجعل بعضنا يخطف من بعض، فكانت ألذ أكلة وأهناها، ثم طرحنا الوسائد على السجادة واستلقينا، فنام من نام. ولما آذنت الشمس بالغروب ركبنا زورقاً في ترعة أشمون، ثم بدا لنا أن نعود لندرك (الشيخ رفعت) وهو يتلو القرآن الكريم - فما نحب أن يفوتنا ذلك منه قط - فرجعنا إلى حيث السيارة. . فإذا بها اختفت!!؟
بهتُّ حين رأيت مكانها خالياً، فوقفت كالصنم وأقبلت علي زوجتي تسألني وتهز ذراعي، فقلت لها وقد أفقت قليلاً (نعم. . هزي ذراعي. . بقوة. . إن بي حاجة إلى الشعور بأني لست أحلم وأن هذا ليس كابوساً. .).
قالت:(أين ذهبت؟).
قلت: (فتشيني!. . لقد كانت هنا. . تركتها في هذا المكان وليس في الأرض ما يدل على