رُبَّ معنى في ضمير يكتُم ... ليس في الناس عليه محرمُ
وقلوب رمسها هذي الصدور ... أتراني مسمعاً من في القبورْ
البيت الأول بني على فاعلا، والثاني على فاعلات لكن الراء في كلمتي الصدور والقبور واقعتان بعد مد فتأتيان في نهاية لصوت كأنهما لا تحسبان في وزن البيت. وليس الأمر كذلك في الجمع بين فاعلاتن وغيرها، ففي البيتين الآتيين:
كان لي الليل مداداً فنفدْ ... وطغى قلبي بمدّ بعد مدّ
جاشت الظلماء موجاً بعد موج ... وغزاني الوجد فوجاً بعد فوج
إذا سكَنت الجيم في موج وفوج يبنى البت على فاعلاتْ فتجده قريباً جداً مما قبله. وإذا حركت الجيم يبنى على فاعلاتن فيبعد عما قبله بعض البعد. فينبغي ن يجتهد الناظم ألا يجمع بين فاعلا أو فاعلاتْ وبين فاعلاتن في منظومة واحدة رعاية لانسجام النغمات.
وإني أدعو أدباء العربية إلى العناية بهذا المثال الذي أقدمه في المعاني والقوافي ليقبلوه على بينة أو يردوه بالحجة. والله ولي التيسير.
أيها الليل إليك المفزعُ ... كم حنت منك علينا أضلع
كم خفينا في غيابات الدجى ... وملأنا الليل هماً وشجى
كم ألِفتُ الليل أُماً حانية ... وكرهت النجم عيناً رانيه
كم ألفت الليل وحشاً راقبا ... في شعاع الصبح سهماً صائبا
كم بثثت الليل سراً كِتما ... فوعاه الليل عني ألما
كانت الظلماء لوحاً للألمْ ... خطّتْ الآهات فيه كالقلمْ
كان لي الليل مداداً فنفد ... وطغى قلبي بمدّ بعد مدّ
جاشت الظلماء موجاً بعد موجْ ... وغزاني الوجد فوجاً بعد فوجْ
فنيت هذي وهذا زاخرُ ... وانجلت هذي، وهذا غامرُ
خلتني في الليل جمراً سُعّرا ... ونجوم الليل منه شررا
إرَة قد وقدت في أضلعي ... وسحاب هاطل من أدمعي
كنت سطراً لم يفسره أحدْ ... خطَّه في غيبه الله الصمد
في ضميري كل معنى مُنبَهِمْ ... حرت في الأعراب عنه بالكِلم