للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكنى مترجم هنا آية من آياته الخالدة، في وصف الصحراء العربية.

صحراء جزيرة العرب

تصور بلاداً لا تتنفس عن اخضرار، ولا تترقرق في مآقيها المياه! شمسها تتقد اتقاداً، وسماؤها أشد جفافاً من الضرع الذاوي. تستر الرمال أدُمَ وديانها، وتسيطر جنود الجدب على جبالها!! تطل عليها الباصرة فيضل البصر فيها دون أن ينعم برؤية شيء تتجاوب فيه خطرات الحياة. أرض جر عليها الموت أذياله، قد عصفت فيها أعاصير حاصبة، نزعت عنها غلالتها الرملية، فلا يصطدم فيها نظرك العُقابي، إلابهياكل عظمية، وحصباء منتثرة، وصخور منتصبة، وأخرى مستلقية.

صحراء ليس بينها وبين وهج الشمس من حائل، فليس بمقدور المسافر أن يفيء إلى ظلال بليلة. هنالك لا صاحب فيؤنس وحشته، ولا شيئاً حياً فيذكره بالطبيعة الحية: عزلة مطلقة، وارفة الجناحين، ترعب أكثر من ألف مرة من عزلة الغابات، لأن الأشجار كائنات حية في نظر المنفرد المسكين الضال في هذه المهامه الخاوية، والمتمردة على سلطان الحدود. يتراءى للمسافر حيثما أشاح بوجهه، أن قبره منبوش في هذه الفيفاء: فيرى نور النهار الساطع، أكأب من حلوكة الليل الدامس، لأن هذا النور لا ينبعث الا لينير له عن خوره وارتخاء مفاصله، وإلا ليمثل له هول موقفه وحراجته، ذلك أنه ينأى عن عينيه حدود الخلاء. ويزيد في بسطة هوة الأتساع، تلك الهوة التي تفصله عن الأراضي الآهلة. رقعة واسعة تكفيه مؤونة التطواف، ففيها جوع كاسر للطرف، وفيها ظمأ عاصب للفم، وفيها حرارة قادحة للثقاب. هذه كلها تضغط على ما بقى لديه من لحظات تتردد بين اليأس والموت).

حلب ـ عبد الوهاب حومة

<<  <  ج:
ص:  >  >>