حيث تربية الطفل فحسب، بل أيضاً وبخاصة من حيث تكوين الجنين، وما ينهض شعب يعتقد بمبدأ الزمخشري القائل:
وإنما أمهات الناس أوعية ... مستودعات وللأبناء آباء
إن الرجل الأناني الجاهل يعتقد أنه هو وحده مستودع للحياة، وإن بقاء النوع يتوقف على ما يحمل من جرثومة حية، فما المرأة في تقديره إلا الأرض يستنبتها خصبة ويتحول عنها مجدبة.
وعلى هذا المبدأ الذي ينافي روح الشرع وحكمته ويناقض ما يؤيده من العلم الحديث، يستولد الرجال النساء أطفالاً كان خيراً لهم لو أنهم لم يلدوا.
إن علم وظائف الأحياء قد اكتشف ذرات مستقرها خلايا الجسم وهي تعرف (بالكروموسوم) وعددها في كل خلية إنسانية ٤٨، نصفها من الأب ونصفها الآخر من الأم، لأن نطفة الحياة في الرجل وفي المرأة لا تحوي سوى ٢٤ ذرة فقط، فيتضح من هذا أن العناية قد أرادت أن يكون المولود منبثقاً من شخصين متحدين على تواز تام بين ما ينفصل عن كل منهما لتكوين الحياة الجديدة.
ويؤكد العلم أن هذه الذرات منظمة في الخلية على شكل سلسلة متصلة الحلقات وهي مزدوجة متقابلة في سمطيها، وأن في هذه الحلقات تستقر العوامل التي تنقل إلى الأبناء طوابع الآباء والأمهات.
وقد عقد المتخصصون لهذه الأبحاث فصولاً بينوا فيها كيف تتغلب عناصر الارتقاء أو الانحطاط في السلالات، فذهبوا إلى أن كل حلقة في العقد المزدوج تكمن فيها صحة عضو معين، فإن كانت هذه الحلقة ضعيفة في الأب وقابلها في الأم حلقة قوية تغلبت الصحة على المرض فيجيء الطفل سليماً وإلا فينشأ معتلاً لأن الحلقة التي يرثه عن أبويه لا مناعة فيها.
إن هذا المظهر المحسوس لاختلاف القوى الكامنة في كل من الرجل والمرأة لمما يفسر لنا علة التنافر والتجاذب بينهما، فأن الطبيعة الطامحة إلى الارتقاء وإصلاح ما تفسده الحياة تعمل بحوافزها الخفية متسلحة بالانتخاب الغريزي للوصول إلى أهدافها.
مما لا ريب فيه، إذن، أن ليس كل رجل يصلح زوجا لأية امرأة، كما أنه ليست كل امرأة