أيملك الملك والأسياف ظامئة ... والطير جائعة لحم على وضم
نبتت هذه الأمنية في رأس أبي الطيب من يوم عرف نفسه، وملكت عليه مشاعره واستبدت براحته، ولم تزل تطوح به من بلد إلى بلد حتى لفظ نفسه وسكن رمسه.
وكان لها فاتحة شعره وخاتمته. قيل له وهو في المكتب ما أحسن هذه الوفرة! فقال:
لا تحسن الوفرة حتى ترى ... منشورة الضفرين يوم القتال
على فتى معتقل صعدة ... يَعُلها من كل وافي السبال
وقال من قصيدة هي آخر ما نظم، وقد وجدت في رحله بعد قتله:
سدِكت بصرف الدهر طفلاً ويافعاً ... فأفنيته عزماً ولم يُفني صبراً
أريد من الأيام ما لا يريده ... سواي ولا يجري بخاطره فكرا
وأسألها ما استحق قضاءه ... وما أنا ممن رام حاجته قسرا
انظر كيف تبادرت هذه الأمنية في نفسه حتى أصبح يراها من حقه الذي لا ينبغي أن يغالب عليه.
ولي همة من رأى همتها النوى ... فتركبني في عزمها المركب الوعرا
تروق بنى الدنيا عجائبها ولي ... فؤاد ببيض الهند لا بيضها مغرى
ومن كان عزمي بين جنبيه حثه ... وخيّلَ طول الأرض في عينه شبرا
صبحت ملوك الأرض مغتبطا بهم ... وفارقتهم ملآن من حنق صدرا
ولما رأيت العبد للحر مالكا ... أبيت إباء الحر مسترزقاً حرا
إلى أن قال:
فإن بلغت نفسي المنى فبعزمها ... وإلا فقد أُبلغت في حرصها عذرا
الملك هدف أبي الطيب، ولكن المسالك اشتبهت عليه؛ فتارة يسلك طريق البراعة في اليراعة، وطوراً يرى طريق السيف أهدى وأجدى، وحيناً يرى أن المال هو الذي يجمع عليه الرجال، وآناً يرى السبيل أن يتولى عملاً لبعض الملوك، ثم يجعله مركزاً لحركته ونواة لمملكته.
فهو في هذه السبل إلى أن لقي مصرعه.
وقد جرب الثورة الحمراء في مقتبل عمره فأخفق، وعاد ممتطياً صهوة البيان، يغالب