وقد لحظ في شعره عناصر الخلود فقال:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي ... إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا
على أن اعتداد شاعرنا بإمامته في البيان لم يشغل باله كثيراً، إذ كان يقينه بهذه الإمامة أقوى من أن يحتاج إلى الجدال والنضال إلا حين يبخسه حقه بعض الشعراء، أو يغفل عنه بعض الأمراء، فينبه هذا ويجيب ذاك؛ وإنما الشغل الشاغل لذهنه تلك الأمنية التي عقد بها فكره وحبس عليها جهده، ومارس منها معشوقة خلابة جذابة، ولكنها لا تلين بحال، ولا تدين بوصال؛ فأكثر من التغني بها وهي لاهية عنه بالسود التنابيل:
سيصحب النصل مني مثل مضربه ... وينجلي خبري عن صِمَّة الصِّم
لقد تصبرت حتى لات مصطبر ... فالآن أقحم حتى لات مقتحم
إلى أي حين أنت في زي محرم ... وحتى متى في شقوة والي كم
وإلا تمت تحت السيوف مكرماً ... تمت وتلاق الذل غير مكرم
فثب واثقاً بالله وثبة ماجد ... يرى القتل في الهيجا جني النحل في الفم
أعجب الأدباء بامرئ القيس حيث يقرن في شعره بين معاطاة الكؤوس ومشهد الحرب الضروس؛ قالوا: وهذا غاية في الشجاعة. أما شاعرنا فقد خلف امرأ القيس وراءه، وقصر كل لذته على اصطدام الصفوف بالصفوف ومقارعة الحتوف بالحتوف. طلب إليه بعض أصحابه أن يشرب معه فقال:
ألذ من المدام الخندريس ... وأحلى من معاطاة الكؤوس
معاطاة الصفائح والعوالي ... وإقحامي خميساً في خميس
فموتي في الوغى عيشي لأني ... رأيت العيش في أرب النفوس
وقال في مثلها:
لأحبتي أن يملأوا ... بالصافيات الأكْوُبا
وعليهم أن يبذلوا ... وعلي ألا أشربا
حتى تكون الباترا ... ت المسمعاتِ فأشربا
وقال:
ألا حبذا قوم نداماهم القنا ... يُسَقونها رياً وساقيهم العزم