وينتقل إلى أن الحالة السياسية كان لها أثرها في علاقات الإنجليز بالشرق، فقد قامت النهضة التركية وسيقت تركيا لإعلان الحرب وتقاسم الاستعماريون أملاكها، ثم كان أخيراً انتصار مصطفى كمال والقضاء على الأطماع البريطانية في تركيا ذاتها.
كذلك ظهر السيد جمال الدين الأفغاني ونشر آراءه الحرة في إيران فقامت حركات دستورية واضطرابات عنيفة سنة ١٩٠٥ و ١٩٠٨. ثم قامت الحركة الوطنية بعد ١٩١٧ فخذلت الاستعمار البريطاني ونصَّبت رضا شاه بهلوي ملكاً على إيران الجديدة.
كذلك قاتل الأفغان ضد الاستعمار تحت راية أمان الله حتى الحرب العامة التي أعلن أمان الله بعدها الاستقلال وأسس العلاقات السياسية مع روسيا. ثم جاوز هذا حرب الإنجليز وعقد معهم صلح (راوال بندي)، وسار في سبيل الإصلاح الداخلي والنهوض بالأفغان حتى قامت عليه الثورة المدبرة التي أنزلته عن عرشه وأجلست مكانه نادر شاه.
وتشير الرسالة إلى بوادر ليقظة في الهند بعد فظائع الاستعمار البريطاني مما أدّى إلى عقد المؤتمر الوطني الهندي ونجاحه في الدعوة إلى الثورة في وجه الإنجليز حتى سنة ١٩١٢، ثم اقتربت الحرب العظمى فاستملت إنجلترا الهنود لتضمهم إلى صفوفها. وبعد انتهاء الحرب عمد الإنجليز إلى إصلاحات سنة ١٩١٩ ثم قامت الحركة الوطنية بزعامة غاندي فحكم عليه وانقسمت الجبهة الوطنية ودارت مفاوضات مؤتمر الطاولة المستديرة وانتهى الأمر بتخاذل غاندي وانصرافه عن قضية الوطن الهندي إلى قضية المنبوذين.
كذلك مصر قامت فيها حركة وطنية بدأها محمد علي الكبير ورعاها إسماعيل والطبقة الأرستقراطية؛ وهنا يناقش الكاتب الوضع الاقتصادي للبلاد، ويتتبع أدوار الوطنية التقليدية على يد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول، ويبين كيف أن اتحاد الجهات العليا مع الإنجليز، وتآمر الأرستقراطيين مع السياسة الاستعمارية جعل الوطنية التقليدية على وشك الزوال. ذلك ختام الفصل الذي تعرضت فيه الرسالة لمصر. على أن ما شهده العالم من تضحيات الشباب المصري، وتكوين الجبهة الوطنية ممثلة جميع الأحزاب، وعقد معاهدة ١٩٣٦، لا شك يجعل الوطنية التقليدية التي شار إليها الكاتب الفاضل تدخل في دور جديد يُقضى فيه على مساومة المستعمرين وخذلان قضية الوطن برعاية مصالح الطبقة الخاصة.