للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الشعوب الأخرى، ويكاد يجعلهم أمة داخل أمة؛ وبعض العصاميين الذين يؤثّلون ثرواتهم في ميادين الأعمال أو في المستعمرات يتطلعون إلى الانغمار فيهم، ويتشبهون بهم تشبهاً يتعلق بالظواهر ويستثير السخرية. أما التشدق بضخم الكلمات فمرجعه إلى تكوُّن اللغة الإنجليزية من أصول كثيرة أبرزها اللاتينية الوعرة الألفاظ الكبيرة المشتقات.

ففي كثير من القصص والروايات الإنجليزية يظهر الأشخاص المتصنعون السمو الاجتماعي المتكلفون رقة المظهر ودماثة الحديث، والآخرون المكاثرون باطلاعهم على اللغات الكلاسية المقحِمون لجافي الألفاظ في أحاديثهم، خالطين صحيحها بخطئها، حتى ليقولون عكس الذي يقصدون أحياناً.

وللفكاهة مجال رحب في القصة، حيث يتحرك الأشخاص ويعملون أعمالهم ويتبادلون الأحاديث؛ ومن ثم تحفل القصص والروايات الإنجليزية ببارع النكات، وفكه اللفتات، ومضحك المواقف والشخصيات؛ ونجد الكثير من ذلك فيما قارب القصة من أوضاع في الأدب العربي: ففي مقامات بديع الزمان ورسالة الغفران للمعري فكاهات وسخريات هي غاية في الإمتاع والبراعة.

والفكاهة من أمضى أسلحة الإصلاح الاجتماعي؛ وقد استخدمها لهذا الغرض بعض فرسانها من الأدباء الإنجليز. والمجال لها متسع في الأدب الإنجليزي، حيث التمثيل والقصص يصوّران المجتمع وينقدانه، وفي المجتمع الانجليزي، حيث النقد النزيه مباح وحيث للرأي العام القول الفصل في الحكم على الأنظمة والتقاليد. أما في الأدب العربي فقلما اتجهت الفكاهة اتجاهاً اجتماعياً، بل ظلت فردية كغيرها من أغراض الأدب، إذا لم يكن الحكم المطلق الذي خضعت له الدولة العربية بمساعد على نمو النقد واشتداد ساعد الرأي العام.

وهناك لون من الفكاهة يرمي به المتفكه إلى ضد ما يقول: فيتقنّع بالجِد وهو يبغي الهزل، ويبدي الوقار ويخفي العبث، ويتظاهر بالمدحِ والقدحَ يريد، ويغالي في التفخيم قاصداً التهوين. ويُدعى هذا الضرب من الفكاهة بالإنجليزية وربما أمكن تسميته (التَّنَدُّر)، والأدب الإنجليزي حافل به، ولعله يناسب الطبع الإنجليزي، وهو شديد المضاء في أيدي الناقدين لأحوال المجتمع. ومن فرسانه المجلين (سويفت). أما في العربية فهذا النوع من الفكاهة نادر؛ ولعل أصلح مثال له مقطوعة المتنبي التي نظمها حين رأى أعرابيين

<<  <  ج:
ص:  >  >>