للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السابع عشر وأوائل الثامن عشر، وهو العهد الذي اشتد فيه الأثر الفرنسي في الأدب والمجتمع الإنجليزيين، وكان من فحول الفكاهة فيه سويفت وبوب ودريدن.

والحق أن ذلك العهد هو أشبه عهود الأدب الإنجليزي بالأدب العربي؛ ففيه انضوى الأدب حيناً تحت جناح الملكية وسار في ركاب الحاكمين، واختلط بالسياسة وخاض غمارها، وانغمر في جو المدينة وأهمل جانب الطبيعة، وتأنق في اللفظ وأغرب في المعنى، واحتدمت الخصومات الأدبية السياسية بين رجاله مماثلة لما كان بين جرير والفرزدق، وبشار وحماد، والبديع والخوارزمي، من مصاولات ومقارعات؛ وولِعَ الأدباء بالوزراء والقواد، وفشت الفكاهة واتخذها فريق سبيلا للمجون، وفريق ذريعة للنقد الاجتماعي والإصلاح.

وقد نظم دريدن أحد فحول ذلك العهد قصيدة هجاء لشاعر مزاحم له أفعمها بالتهكم المكسو بثوب الجد، وبوّأ غريمه (عرش الغباوة) في جو من الجلبة والمراسيم والمواكب والشارات مماثل لتتويج الملوك، وجعله يلي ذلك العرش معهوداً إليه من شاعر غبي من شعراء الجيل السابق لجيلهما. ولهذا القصيد الساخر مماثل في النثر العربي شديد الشبه به، وإن يكن قد كُتب قبله بنحو ثمانية قرون، أعني العهد الذي كتبه الصابي على غرار عهود الخلفاء والأمراء إلى عمالهم، على لسان مطفل أكول إلى آخر هو المقصود بالدعابة، وقد بدأه بقوله: (هذا ما عهد به علي بن أحمد المعروف بعليكا، إلى علي بن عرس الموصلي حين استخلفه على إحياء سننه، واستنابه في حفظ رسومه، من التطفل على أهل مدينة السلام وما يتصل بها من أرباضها وأكنافها، ويجري معها في سوادها وأطرافها، لما توسمه فيه من قلة الحياء، وشدة اللقاء، وكثرة اللَّقم، وجودة الهضم).

وتتسم الفكاهة في الأدب الإنجليزي على العموم بالعفة التي هي سمة الأدب كله كما سبق ذكره في كلمة سالفة؛ أما في الأدب العربي فتهوي أحياناً في يد الهجائين إلى حضيض السباب، وفي يد المجان المستهترين إلى وهدة الأفحاش. وتتعلق الفكاهة الإنجليزية بالصفات والأخلاق والأعمال وتكشف المتناقضات من آراء الناس وأقوالهم؛ وفي العربية يتناول العبث الخَلْقَ بجانب الخُلُق. فدعابات ابن الرومي ملأى بذكر أعضاءِ الجسم من أنوف وأقفية ولحى، وعيوبه من حدب وصلع وعور. ويُشَبَّهُ المعبوثُ بهم بالحيوان، فيقول

<<  <  ج:
ص:  >  >>