قد فرش بالبسط النفسية، وبه عند القبلة منبر مكسو بالديباج الأخضر من إهداء مليكنا المغفور له فؤاد الأول؛ ولقد يممننا في عصر ذات يوم إلى هذا الحرم الإسلامي المقدس الذي يحفه الصمت العميق من سائر نواحيه، ولم نتمالك أن نجثو خاشعين لله عز وجل، وان نؤدي ما تيسر من الصلاة مغتبطين لذكر الله ورسوله في هذا الحرم النائي عن أرض الإسلام.
وبالمسجد مكتبة صغيرة ومعهد قيل لنا إنه تلقى به محاضرات إسلامية مختلفة، ومستشفى صغير لبعض الأمراض الخطيرة؛ وبه أيضاً حمام عربي، ومقهى ومطعم عربي، قد صفت موائده في حديقة داخلية صغيرة تقع في الجهة الشرقية، وتعزف فيها الموسيقى العربية أحياناً، ويقوم بهذا العزف بعض الموسيقيين المغاربة. وقد تنولنا القهوة العربية لأول مرة في باريس في هذا المنتدى الأنيق وسمعنا الموسيقى العربية في مجتمع قوامه مسلمون من مختلف الأمم.
بيد أن شعور الغبطة الذي قد يأنسه المسلم مدى لحظة لقيام هذا الصرح الإسلامي في باريس لا يلبث أن يمازجه شعور بالمرارة والأسف حين يستعرض المعاني والظروف لتي أقيم فيها. إن فرنسا لم تعمل لإقامة هذا المسجد حباً بالمسلمين أو احتراماً لشعائرهم ومشاعرهم، وإنما أقامته أداة من أدوات التأثير الاستعماري، وهو في الواقع رمز لسيادتها على الأمم الإسلامية التي تسودها أكثر منه رمزاً للعطف والتقدير.
وإلى هنا نقف اليوم؛ وسنحدثك في الفصل القادم عن الحياة الليلية في باريس، وعن بعض مظاهر المجتمع الباريزي.