وكان في السابعة والعشرين، وكانت في الثانية والثلاثين، ولكنها كانت على جانب من الجمال والروعة فأضرمت نيران الغرام في صدره.
على أن الذين يحاولون تشويه شخصية نابليون بخلق البواعث غير الشريفة لأعماله، وابتداع الحوافز لمشاعره، تراهم يسارعون إلى القول بأن حبه لجوزفين إنما كان حباً مسرحياً، وإن أكبر همه، وغاية الغايات عنده أن يتذرع بذلك الزواج لتولي قيادة الحملة الإيطالية.
ولكنك قد رأيت كيف كان يتهالك وجداً على الزواج، وكيف داعب الأمل بالاقتران بكليري. وبعد فما هي العلالي والقصور التي كان يبنيها على الاقتران ببنت تاجر صابون!
ولو أنه لم يصادف هوى في قلب مدام دي بوهارنيه، إلا أنه وجد منها عند الزواج سميعاً ومجيباً؛ فقد كانت، على رغم موت زوجها، ووجود ولد وبنت لها، تحيا حياة خليعة، وتتردد على مدام تليان، وتغشى صالون باراس؛ ومن كانت في مثل حالتها كانت خليقة أن تستند إلى ذراع رجل قوي كنابليون الذي أصبح في طليعة القواد وأنقذ فرنسا من الأخطار التي تتهددها.
ولكن هل كانت جوزفين خليلة لباراس؟ إن بعض الكتاب المعاصرين يتبرعون بهذا التأكيد. على أن الذي يسترعي النظر أن جوزفين لم تظهر في بيت باراس إلا باعتبارها صديقة لمدام تليان. والمنطق والبداهة يتضافران على أن الأخيرة لم تكن لتسمح لكائنة من كانت أن تنازعها هوى الرجل القابض بكلتا يديه على مصاير فرنسا.
وإذا كانت جوزفين، قبل الزواج، شاءت أن تستوثق من باراس، سواء بنفسها أم بواسطة مدام تليان، أن زوجها المقبل سوف يكون موضع رعاية حكومة الدير كتوار، بل إذا كانت لمحت إلي أن مكانة الحق أن يكون على رأس الحملة الإيطالية، فكل أولئك لا ينبغي أن يكون مثاراً للدهشة ما دامت جوزفين قد أرادت بهذا الزواج وجه المصلحة لا وجه نابليون.
ولما كاشفت جوزفين نابليون بحديث باراس وعزمه على تقليده قيادة الحملة الإيطالية قال لها لا تحسبي أني ألتمس حمايتهم بل على العكس من ذلك هم الذين سوف يشعرون بالسعادة حين أظلهم بحمايتي. إن سيفي إلى جانبي، وبه سأصل إلى أبعد الغايات.