للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومهما يكن هذا القول جارحاً لذاعاً فإنه يتجافى مع الحقيقة. فليس يجوز في عقل عاقل أن رجلاً مثل باراس يجازف بتسليم القيادة إلى قائد لا يقوى على الاضطلاع بأعبائها فيغامر بأقدس المصالح، لا بل يقامر بمستقبل فرنسا.

على أن الوقائع تهدم هذه الدعوى من أساسها، وتضع قصة زواج نابليون بجوزفين في نصابها الحق؛ فلم يكن باراس يملك التصرف وحده في مصير قيادة الحملة الإيطالية بل كان لابد من موافقة الأغلبية في حكومة الدير كتوار، وقد كانت مؤلفة من كارنو وباراس وليبو وريبل ولوتورنور.

وإذا جاز لنا أن نستصرخ ضمير رجل، أو نفزع إلى عدالة شاهد، فأولى لنا ثم أولى أن نفزع إلى ريفيير لوبو وقد كان لنابليون من ألد الخصوم؛ وهو في ذلك يقول: (لقد قيل إن زواجه بأرملة بوهارنية كان شرطاً لا يستطيع بدونه أن يحصل على القيادة التي جعلها مناط آماله. إن ذلك لم يكن! والذي أستطيع أن أؤكده هو أن الاختيار الذي تم من حكومة الدير كتوار لم يكن تحت تأثير باراس ولا شخص غيره).

كيف إذن سبيل بونابرت إلى تولي القيادة؟ ينبغي لنا أن نذكر أن الجنرال الصغير قد وضع خطة لغزو بيمون في ١٩ يناير وأن تلك الخطة قد أرسلت إلى القائد العام شيرير، فتلاها ثم بعث بها في الحال إلى حكومة الدير كتوار معلنا أنها من عمل مجنون، وأنه لابد من استدعاء هذا المجنون وتكليفه بتنفيذها.

فاختلط الأمر على حكومة الدير كتوار، واحتدم وطيس الجدل بين أعضائها، وما لبثت الغالبية وقوامها ليبو وكارنو وباراس أن جنحت إلى جانب نابليون، وانحازت إليه لترجيح كفته، فعهدت إليه بإنفاذ الخطة التي وضعها.

وفي الحق، فما كان نابليون مدينا بتلك القيادة لا إلى زواجه، ولا إلى باراس، وإنما كان مدينا بها إلى كفاية كارنو الحربية التي أمكنته من التعمق في درس الخطة التي وضعها نابليون، وتفهم روحها، فأتيح له أن يصل إلى مكان الإقناع من نفوس زملائه.

وما لبث نابليون أن انتزع نفسه من بين أحضان المرأة التي أحبها من أعماق قلبه ليبدأ سلسلة المعارك الدموية التي خاض غمراتها عشرين عاماً.

ومضى في طريق المجد صعدا، لا يلوي على شيء، ولا يقف في وجهه سهل ولا جبل،

<<  <  ج:
ص:  >  >>