ليتأمل، أو ليصلح ما أصابه من الاصطدام، بل ينطلق إلى الأمام أيضا، محتملا أثر الصدمة تلو الصدمة حتى يلحقه العطب الكامل. . . فتكون هذه الأزمات!
إن السائق الذي يعرف كيف يسوق ولا يعرف كيف يقف: أو يدري كيف يسرع، ولا يدري كيف يبطيء، إنما هو سائق جاهل، غير مأمون على نفسه ولا على الركاب. وإذا كان للقيادة السريعة لذة في النفس والنشوة؛ فليس معنى هذا أنها أحسن القيادات وأولها بالاتباع
وبعد ففي مصر اليوم دعوة حارة ومخطرة معاً، إلى تقليد الغرب، والجري وراء الغرب، وإن كان الغرب نفسه لا يعرف اليوم وجهته، وهو شارد كالضال في متاهات الحياة، فكأننا سنجري وراء من يجري وهو لا يعرف مبتغاه!!!
وهذه الدعوة مفهومة من الوجهة (السيكلوجية) وقد عرف (ابن خلدون) أسبابها منذ قرون حيثما عللها. بأن المغلوب يميل بطبيعته لتقليد الغالب لاعتقاده أن غلبته له إنما كانت لخصائص فيه.
والسيكلوجية الحديثة تقر ما ذكره ابن خلدون، وتضيف إليه العقل الباطن، إذ يندفع الإنسان في بعض الأحيان، إلى أمور لا دخل لإرادته فيها، ولا لتفكيره، بحكم اندساسها في العقل الباطن، من مخلفات مشاهداته، أو ملاحظاته أو تفكيره التي يغمرها النسيان.
وهذه الدعوة مع أنها مفهومة وطبيعية. ليست مُسَلَّمة؛ ومن الواجب التحذير منها، وإبرازها للنور، بعيدا عن المؤثرات النفسية الغامضة. وإذا كانت الحرب العظمى قد أفقدت العالم الغربي اتزانه وطمأنينته؛ وبعثته من المكامن والخنادق وحفر الموت، مأخوذا، مشدوها، مجنونا. . . فليس من الواجب أن يفقد الشرق طمأنينته كذلك، ويجري وراء الغرب المأخوذ المشدوه، دون ما تأمل ولا تفكير!
إن للشرق رسالة قد يكون الآن موعدها، ورسالته هذه ستقوم على خصائصه الأصلية فيه، وستصبح واجبة بل، أصبحت لأن الغرب يكاد يتهالك ضعفا وإعياء لفرط جريه، وكثرة اصطداماته.
نحن لا نكره النشاط كما قلنا. ولكن نكره العجلة. ونريد أن يحتفظ الشرق بشيء من يقينه، ومن عمقه واتساعه، ومن سحره أيضا!، وألا يفرط في تقليد الغرب، ولا سيما والغرب يتخبط، ويئن، ويشكو من الصدمات ولم يوفق بعد لاتقائها، لأن النشوة لا تزال تطيف