للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا الهمس الوضيع أخذ بمخنقي وحبس أنفاسي، فألصقت قدمي بالأحجار وصحت بأعلى صوتي:

(لم تعد هناك أكاذيب. . . بعد. . . لقد قتلت الأكاذيب).

وتحولت عامداً بوجهي لأني كنت أعرف أن الجواب سيجيء من أعماق الهاوية السحيقة. وكان الجواب:

(أكاذيب. . .).

أنت ترى أن الأمر هكذا. . . لقد ارتكبت خطأ جسيماً.

قتلت المرأة. . . ولكني خلدت الكذب. لا تقتل المرأة إلا بعد أن تنتزع - بكل وسائل التعذيب والنار والوعيد - الصدق من أعماق نفسها. فكرت في هذا وأنا أسير في محبسي من ركن إلى ركن.

لقد حملت معها الصدق والكذب إلى مكان مظلم مرعب. . . وهل أذهب إليه. . .؟ هل أذهب إلى هناك. . . وعند عرش إبليس سأقبض عليها وأجثو على ركبتي وأبكي وأقول:

(أريني الصدق).

رباه. . . رباه. . . هذا أيضاً كذب. . . الظلام هناك. . . وفراغ القرون. . . والخلود أيضاً. . . ولكنها ليست هناك. . . ليست في كل مكان. . . بقي الكذب. . . إنه خالد أزلي سرمدي. . . أحسست به في كل ذرة في الهواء. . . وعندما أنشقه أنشق معه في صدري الضعيف فحيح الثعابين فيمزقه. . . فيمزقه. . .

أواه. . . أي جنون عندما يطلب الرجل الصدق. . . وأي عذاب وألم؟

رباه. . . أنقذني. . . . . . أنقذني!!

محمود البدوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>