لنا أن نراها آنسنا خيبة أمل مرة، لأننا لم نر فيها من المناظر الرفيعة الرائعة ما يتفق مع تلك الدعاية الرنانة التي تثار حول أسمائها في الصحف وفي السينما؛ وهي دعاية يفهمها الفرنسي، ولذلك فهو قليل الاقبال على هذه المسارح والمنائر التي ترتب لاجتذاب الأجانب وتقتضي من روادها أجوراً فاحشة حتى إن الكرسي المتواضع (في نهاية البارتير أو في الجاليري) في الفولي بريجير أو الكازينو لا يكلف أقل من ثلاثين أو أربعين فرنكاً (٤٠ - ٥٢ قرشاً).
ومونبارناس؟ إن اسم مونبارناس كمونمارتر يغمر الأدب الباريسي، ولكن مونبارناس أحدث عهداً في الأخذ بناصية الحياة الليلية الباريزية؛ ومونبارناس شارع مديد شاسع في جنوب باريس على مقربة من اللكسمبور وسان ميشيل، وهو أكثر رحابة وأقل صخباً من مونمارتر، وبه على مقربة من محطة (مونبارناس) عدة مقاه حسنة أشهرها وأجملها (لاكوبول) وهو مقهى أنيق وبه مرقص ليلي؛ وهنالك في الجانب الآخر أشهر حانة ليلية في الحي وهي حانة (جوكي)، وهي غنائية راقصة وينحصر الجانب الساهر المنير من مونبارناس بين (لاكوبول) والمحطة؛ وهنالك تلمح تحت أنوار الشارع والمقاهي كثيراً من الغواني وأنصاف الحرائر.
وقد اشتهرت مونبارناس بأنها مهبط الأدباء والفنانين الناشئين؛ والواقع أنك حين تتجول في مقاهي الحي ومطاعمه ترى كثيراً من الفنانين الذين أطلقوا لحاهم والذين تدل عليهم مظاهرهم يؤمون أندية الحي ويتجولون في دروبه؛ والمعروف أن رواد مونبارناس هم غالباً من الطبقة المثقفة، وهي بذلك تمتاز عن مونمارتر التي عرفت بأنها مهبط الطبقات الدنيا أيضاً؛ وقد أخذت مونبارناس في العهد الأخير تنافس مونمارتر في الأخذ بزمام الحياة الليلية، ونجحت في ذلك إلى حد ما؛ بيد أنها مازالت تضيق بأنديتها القليلة عن أن تضم كثيراً من تلك الجماهير الغفيرة التي تهرع إلى مونمارتر بالليل، هذا إلى أنها لا تحتوي كثيراً من تلك المنتديات الشعبية التي تغص بها مونمارتر والتي تموج بروادها دائماً.
والظاهر أن مونبارناس تقف في منافستها لمونمارتر عند ناحية خاصة، فهي بموقعها وشوارعها الشاسعة الفخمة أقدر على اجتذاب الخاصة من مونمارتر؛ وقد سمعت من بعض الباريزيين الخبيرين بشؤون الحياة الاجتماعية أن المستقبل لمونبارناس في تحول تيار