ولا يسعنا هنا إلا أن نشير إلى ما كابدناه من الصعاب عند البحث في هذه المؤلفات، وقد اقتضى ذلك منا مجهودا مضاعفاً يعرفه فقط من عالج هذه البحوث. فمن ذلك أنه لا يكفي الباحث التطلع إلى العنوان ليتعرف ما سيتناوله الباب من الموضوعات. فالمسائل في الواقع مبعثرة في مختلف الأبواب لغير ما سبب ظاهر.
ولا يستطيع الباحث الجزم بأن مسألة بعينها ليست موجودة في كتاب معين إلا إذا طالع جميع صفحات هذا الكتاب بإمعان تام. ولذلك نجد المؤلفين في إشاراتهم إلى المراجع ينقل بعضهم عن بعض. فإذا ذكر أحدهم عن مسألة أنها وردت (بالمبسوط) فلا يفيد ذلك أنه تحقق بنفسه من صحة ورودها.
لهذه الأسباب اضطررنا إلى دراسة بعض الكتب من الغلاف إلى الغلاف، وراجعنا جميع أبوابها باباً باباً لتقصي ما يهم موضوعنا من المسائل.
ويلاحظ أيضاً أن هذه المؤلفات لا تتبع ترتيباً واحداً في تسلسل الأبواب، ولو أن هذه الأبواب أو الكتب واحدة لم تتغير في الغالب منذ وضع (المبسوط).
على أن (المبسوط) جاء خليطاً من الأبواب ولا يراعي ترتيباً ما. أما الترتيب الذي نجد عليه (الجامع الصغير) فهو ليس (لمحمد) وقد اتبع هذا الترتيب غالب المؤلفين.
ومهما يكن الأمر فلا أهمية في الواقع لهذا الترتيب، فهو لم تقض به أسباب مقبولة، أما ما يذكره أحياناً المؤلفون من الأسباب فهو مجرد أسباب لفظية أو شكلية لا قيمة لها. وأنا نجد مثلاً أن كتاب الإجارة جاء في (بدائع الصنائع) قبل كتاب البيع، مع أن (الكاساني) نفسه قد أحال في كتاب الإجارة على كتاب البيع في كثير من المسائل.