من قوانين الغريزة، وأظهر قوتي على قوة الضرورة الميسرة بأسبابها، وهي أشد الضرورات عنفاً وإلحاحاً وقهراً للنفس من قبل أنها ضرورة لازمة، وأنها مهيأة سهلة. فلو أن هذه المرأة المحبوبة كانت ممتنعة بعيدة المنال لما كانت لي فضيلة في هذا الحب العفيف، ولكنها دانية ميسرة على الشغف والهوى؛ فهذا هو الامتحان لأصنع أنا بنفسي فضيلة نفسي.
ومر الفصل الذي مثلوه وما نشعر منه بتمثيل فقد كان كالصورة العقلية المعترضة للعقل وهو يفكر في غيرها، وكانت (الحقيقة) في شيء آخر غير هذا. ومتى لم يتعلق الشعور بالفن لم يكن فيه فن؛ وهذا هو سر كل امرأة محبوبة، فهي وحدها التي تثير شعور المحب في نفسه فيشعر من حسنها بحقيقة الحسن المطلق، ويجد في معانيها جواب معانيه، وتأتيه كأنها صنعت له وحده، وتجعل له في الزمان زمناً قلبياً يحصر وجوده في وجودها وليس فن الحب شيئاً إلا استطاعة الحبيب أن يجعل شهوات المحب شاعرة به ممتلئة منه متعلقة عليه، كأن به وحده ظهور جسدية هذا الجسد وروحانية هذه الروح. وكل ما يتزين به المحبوب للمحب، فإنما هو وسائل من المبالغة لإظهار تلك المعاني التي فيه كيما تكبر فيدركها المحب بدقة، وتثور فيحسها العاشق بعنف، وتستبد فيخضع لها المسكين بقوة
والشهوات كالطبيعة الواحدة في أعصاب الإنسان، وهي تتبع فكره وخياله؛ ولا تفاوت بينها إلا بالقوة والضعف، أو التنبه والخمود، أو الحدة والسكون؛ غير أنها في الحب تجد لها فكراً وخيالاً من المحبوب، فتكون كأنها قد غيرت طبيعتها بسرٍ مجهول من أسرار الألوهية. ومن هنا يتأله الحبيب، وهو لم يزد ولم ينقص ولم يتغير ولم يتبدل؛ وتراه في وهم محبه يفرض فروضاً، ويشرع شريعة من حيث لا قيمة لفروضه وشريعته إلا في الشهوة المؤمنة به وحدها.
ومن ثم لا عصمة على المحب إلا إذا وجد بين إيمانين أقواهما الإيمان بالحلال والحرام، وبين خوفين أشدهما الخوف من الله، وبين رغبتين أعظمهما الرغبة في السمو.
قان لم يكن الفاسق ذا دين وفضيلة فلا عصمة على الحب إلا أن يكون أقوى الإيمانين الحرص على مكانة المحبوب في الناس، وأشد الخوفين الخوف من القانون. . . وأعظم الرغبتين الرغبة في نتيجة مشروعة كالزواج.