للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والنيران المتأججة.

والكائنات تدور. . . . نعم كانت تدور. . . .

وكانت طوائف الملائكة المكلفة بتنظيم الأرض تطير وتنتقل من طرف إلى آخر، منها من تمسك المياه المتجمدة من حوافيها، وتدفع الجبال بأرجلها، وترتب النجوم بأيديها، وتعيد الأنهار إلى فراشها، ومنها من كانت تجر (الدب الأكبر) من ذنبه، وتقود (برج الحمل) من قرنه.

والكائنات تدور. . . . نعم كانت تدور. . . .

بين تلك الغيوم والنجوم والدخان واللهيب كان ملك ضحى بنفسه يطير بسرعة البرق خلف كوكب جميل مضيء، خلف (الزهرة) الشاردة. وبينما يعيدها إلى محورها الأول وقع فوق الصخور الملساء على أثر صدمة قوية كانت سببا في فقده رشده. ولما استفاق من إغمائه سقطت دمعة من عينه انحدرت فوق الصخرة. لقد رأى الخالق الأعظم هذه التضحيات، ووافقته هذه الخدمات، فأراد الا تضيع ذكرى هذه الدمعة فخلق الرجل الأول (آدم).

كانت دورة الأرض تنتظم قليلا قليلا، فالأنهار نامت في فراشها والبحار هدأت في أحواضها، والنجوم انتظمت في محاورها والبراكين خمدت في أماكنها.

وكانت الشمس في كل يوم تبعث الحياة على اليابسة. وكانت الرياح بين آونة وأخرى تساعد الشمس في بعث الجمال والحياة وتطرية هذه الكائنات. وكانت بذور الورود تنتثر من الآفاق وباقات زهور الحب تساقط من الغيوم، وذرات النجوم المتناثرة في تلك القبة الزرقاء تشكل مروجا من زهور البابونج (باباتيه) وحاشية من حواشي قوس قزح تبدو للناظر ذيل طاووس بهيج.

وقد وجدت هذه البدائع لتكون مكافأة للملائكة على جهودهم وخدماتهم. وكانت الحور يتمتعن من هذا الجمال والتجديد، تارة يسرن وأخرى يطرن، يسمعن أغاريد الطيور، ويبتهجن من أريج الزهور، ويتراكضن نحو ظلال الأشجار مرحات طربات، وكانت أجملهن وأصغرهن، وأتعبهن جالسة وسط زهرة فتحت صدرها وأوراقها لأشعة الشمس لتشعر بهذا الجمال اكثر من رفيقاتها، ولتتذوق هذه الحلاوة قبل صويحباتها. وهي كجميع المخلوقات تنتظر ظهور المعجزة برشفها أشعة الشمس المشرقة بشفتيها وعينها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>