الشخصية وأستوضح عنها في بطون الكتب والأخبار، وليس عندي ما يسعفني على ذلك؛ ولو كان ذلك سهلاً لما سهل على عقلي الذي لم أتعود إرغامه على الدخول في هذه المنعرجات الطويلة التي تحتاج إلى تأمل طويل وأناة في الإمعان. ولكن ذلك غير مانعي في من أن أغامر في رسم ناحية من نواحي شخصية هذا الرجل العجيب المنتج في النقد، وأظنها الناحية الأكثر بروزاً في الرجل.
والآن من هو ابن عتيق؟
يبدو لنا أن أبي عتيق رجلاً يخالط المغنين والشعراء ولا بد أنه كان يتذوقهم، وأنه كان صاحب ثقافة واسعة في الشعر والغناء تخول له الحكم فيهما، وإن كان بعد هذا كله صاحب ذوق خاص يفهم الشعر والغناء به. ومنذ كان كما يبدو يقصده الملحنون والشعراء أنفسهم يحتكمون إليه في لحن أو بيت أو ملحن أو شاعر فلا يتباطأ في حكمه، ولا يفل رأي في ذلك. حديد اللسان والجنان والبيان! ولولا هذه الثقافة وهذه الشهرة لما كان له مقام في ذلك. ولقد كان عمر بن أبي ربيعة أحسن المقربين إليه، وكان له معه عشرة حسنة ومجالس طيبة، وكان له مع شعراء الحب والغزل أمور كثيرة، ولا بد أن حادثة من حوادث غرامه جعلته يحدب على المحبين، ويمثل دور الرسول بينهم وبين أحبتهم.
ويمتاز نقده بأنه كان نقد روح ومعان لا نقد قشور ومبان؛ ويعود سر ذلك إلى أن اللغة العربية كانت لا تزال بعيدة عن الفساد، وأن لسان العرب كان لا يزال لساناً فصيحاً، وكان نقده أقرب إلى أحاديث النوادي، لأنه نقد بيت أو فكرة، ولأنه نقد يلم بجانب واحد من المعنى ويهمل بقية الجوانب. ونقده ليس فيه صرامة ولا خشونة ولا صلف، وإنما هو نقد تهيمن عليه رقة حجازية ومجون برئ يأبى إلا أن يظهر. ومن وراء ذلك تهكم بعيد ويصيب المفصل! ولهذا التهكم جعل الشعراء يتقدمون إليه ويطمعون في اكتساب مرضاته. وهو يذهب تارة في نقده يكشف عن المعنى غطاء ثقيلاً، وطوراً يستجلي المعنى البعيد في البيت ويكشف عن قصده، وتارة يفسد على الشاعر ما ذهب إليه ولم يفطن له! ومثل هذا النقد أقرب إلى الروح الأدبية في ذلك العصر وهو - بعد هذا - بعيد عن مثل ذلك الاختلاق الذي وضع على لسان الخنساء يوم نقدت حسان بن ثابت وأضعفت بنقدها اللغوي مواضع فخره! لأن الوثبات الأدبية الأولى في الأمم لا ترنو إلى مثل هذه الفروق اللغوية