فقلت:(الأمزجة تختلف، ولكن ألا تقول لي لماذا رأيت هذا خير ما يمكن أن تصنع؟ أو فلنبدأ من البداية. . . . ماذا جاء بك إلى الإسكندرية؟)
قال:(هذه قصة طويلة. . .)
قلت:(إني رجل واسع الصدر. . ومع ذلك، في وسعك أن تحذف قصة ميلادك وطفولتك، وأن تقفز إلى ما بعد اليوم الذي زرتني فيه)
قال:(لقد عملت بنصيحتك)
قلت:(ظاهر. . . . ولكني - على قدر ما أذكر، فأن ذاكرتي ضعيفة كما تعلم أو لا تعلم، - لم أوصك بالتسلل إلى الغرف التي تظنها خالية وأن كانت فيها حقيبة كبيرة وثياب معلقة، ولا بالنوم تحت أسرة الناس)
قال:(لا لا لا. لست أعني هذا. إني آسف لإزعاجك)
قلت:(استغفر الله. . . بل آنستني. . . البيت بيتك. . . أعني الفندق. . نعم؟)
قال:(خطر لي أن اهرب من مصر)
قلت:(هل ارتكبت جريمة؟)
قال:(لا لا. . . أعوذ بالله! إنما أعني أن الناس يعرفونني في مصر وقد اخجل أن يروني أزاول عملاً غير لائق. . .)
قلت:(صحيح. . . مصر صغيرة جداً. . . ليس فيها إلا مليون وربع مليون من الناس. . . ومثلك لا يمكن إلا أن يبرز جداً في مثل هذا العدد الضئيل. . . . معك حق. . . والى أين ذهبت؟)
قال:(جئت إلى الإسكندرية. . . لا يعرفني فيها أحد. . . وبدأت بأن صرت أبيع أوراق (اليانصيب) ولكن الناس كانوا يستريبون بي لأني ألبس بذلة، ويشترون من الصعيدي لابس الجلابية. . . لا أدري لماذا؟ فتركت هذا وعملت خادماً في مطعم. . . لم أبقى فيه سوى أسبوع واحد. . . الحقيقة أني لا أدري كيف يستطيع أن يحمل المرء كل هذه الصحون والملاعق ولا يكسر منها شيئاً. . .)