اعوج وسمته قد تبدل! يكلمك فتسمع من وراء (البيبة) كلاماً عربي الحروف سكسوني المخارج! فإذا تمضمض بالجملة أو الجملتين في المعنى المألوف توقف وتأفف، ثم راح يزاوج في الفقرة الواحدة بين العربية والإنجليزية، لأن العربية أصبحت أمام الخاطر ألد فاق، والخيال السباق، والمعاني الجديدة، أعجز من أن تسعف اللسان وتجاري البيان وتحدد الفكرة!
كل ذلك كنا نراه فنشعر بالغربة وسط الدار، وبالذلة بين الأهل، وبالتبعية تحت العلم. وكل ذلك كنا نسمعه فنحمل الآذان على مكروهه، ونروض الأنفس على أذاه، لأن أمورنا كانت في كل ناحية من نواحي الحياة شذوذا لا يستقيم في عقل، ونشوزا لا يتسق في شعور. فلما أذن الله لوجودنا أن يتميز، ولاستقلالنا أن يتم، كان من المحتوم على أولياء العهد الجديد أن يعالجوا الضعف الذي يوهن وثبات العزة، ويزيلوا النقص الذي يعوق خطوات الكمال.
تريد اللغة العربية من أولياء العهد الجديد أن يطردوا الاحتلال اللغوي من الشركات والبنوك كما طردته تركيا، فيمدوا لها أسباب السيادة، ويهيئوا للعاطلين وسائل العمل، ويضمنوا للأهليين صحة التعامل، ويمصروا هذه البيوت التي تطاول الحكومة في النفوذ، وتجابه الأمة بالعجز، ويشتمل كل منها على دولة وسفارة وامتياز. تريد العربية أن تكون لسان العلم في المدارس الأجنبية، وفي كليات الجامعة المصرية، فإن التعليم باللغة الأوربية ينقل بعض الأفراد إلى العلم، ولكن التعليم باللغة الوطنية ينقل كل العلم إلى الأمة. وما دام للغة مجمع لغوي قوي يساعدها على النمو، فلن يخشى عليها في الطريق قصور ولا فشل.
تريد العربية أن تأخذ مكانها الشرعي في المحاكم المختلطة ريثما تدك قواعدها المعاهدة. فإن من أعجب الأمور أن يضيع القانون بين قوم يعيشون بالقانون، ويزهق العدل في دار أقيمت للعدل. وقد كان الإغضاء على ذلك يحمل على مصانعة القوة ومخادعة السياسة، ولكنه اليوم لا يحمل إلا على تفريط العجز وترويض الاستكانة.
كذلك تريد العربية أن تطهر من شوائب التركية في الدواوين والقوانين والمدارس والجيش، فلا تحب أن يداخلها بعد اليوم باشكاتب ونوبتجي وبوستجي وقلفة وطابور ويمكخانة ويوزباشي وصاغ وأميرالاي الخ. ولنا فيما يعمل الترك والفرس بالعربية مثل ماثل ودافع محرض.