على ألسنتها كالصلاة، ثم لا يكون له ما للعامل الفقير من وجود مستقل وإرادة مختارة؛ أم يرتد إلى طبيعة الإنسان فيضرب بنفسه في الزحام، ويبحث عن نصيبه في الرغام، ويضطلع بعبئه ككل فرد؟؟ أيبقى أسير التقاليد التي نسجتها عناكب الماضي البعيد على نوافذ البلاط والبرلمان، فلا يفكر إلا بإيحاء، ولا يتحرك إلا بميقات، ولا يتكلم إلا بمقدار، ولا يعمل إلا بإشارة؛ أم يتمرد تمرد الحي المريد، فيدفع من أمامه ذلك الحاجز الصفيق الثقيل، ويجذّ من ورائه ذلك الذيل العتيق الطويل، ثم ينطلق في أجواء الله انطلاق الطائر المرح، يقع في كل روضة، ويهبط على كل غدير، ويتملى أليفه فوق عروش الورود، وعلى بسط المروج، وبين أفنان الخمائل؟؟
كانت هذه الآراء الحائرة تعصف نكباء في رأس الملك، بينما كان في (لندن) الواجب المرير الخشن يتمثل في وجه (بلدوين) الحازم الجبار، ومن خلفه برلمان متحد يؤيد دستوره، وملكوت واسع يريد إمبراطوره، وشعب مخلص يحب ملكه؛ وفي (كان) حب عنيف ملح يشرق في قسمات (مسز سمبسون) الفاتنة، ومن ورائه إنسان يطلب حريته، وقلب ينشد سعادته، وحي يتغنى حظه من الحياة
وهنا يتدخل القدر الذي يحكم وحده على الملوك، فيحل عقدة الرواية التي يشهدها العالم كله، على غير ما يحلها به الروائيون الخياليون، فينصر تجديد الطبيعة على تقليد العرف، ويغلّب سلطان الحب على سلطانالواجب، ويرفع سرير الأسرة على عرش الأمة!
يا كافرين بالشعر والأحلام والحب! أتريدون بعد حادث اليوم معجزة؟
أيها الناسون ما صنعت حواء بأبيكم آدم! لا تحسبوا أن الماسونية والجاسوسية والشيوعية والصهيونية والفاشية والنازية هي التي في تقلب في السر أو في العلن أوضاع المجتمع.
فتشوا في زوايا كل أولئكم عن المرأة! وإذا كانت مأساة البرنس ادوار تذكرنا بمأساة البطل أنطوان، فليست كليوبطرة أول النساء، ولا مسز سمبسون آخرهن؛ وسيظل هذا الجنس القوي الخفي الغامض سلطان الكون المطلق؛ فهو محور الطموح والمنافسة، ومصدر الخير والشر، ومنبع السرور والألم، ولئن خضع له اليوم أدوار، فمن قبلهخضع نابليون، ومن قبل نابليون خضع الرشيد وقال فيما حدَّث الرواة:
ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان