في غرب أمريكا إنما قالوا حقاً ورأوا صدقاً، واستبانوا حقيقة جديدة من اكبر حقائق الطبيعة عندما اتهموا القراد. واستخلص إسميث هذه الحقيقة الكونية الكبرى من ذكاء الشعب ومما جرت به ألسنة الخلق فكان مثل هذا الكشف الخطير مثل العجلة يرد اختراعها إلى الناس، إلى قوة ابتكار الدهماء حتى تبوأت مكانها من المحركات الكهربائية العظيمة الدوّارة الطنّانة.
ولعلك حاسب بعد ذلك من وضوح تجاربه وثبوت نتائجه ثبوتاً قاطعاً أنه اكتفى بها، ولعلك حاسبٌ أنه نصح حكومته بعد ذلك بإشهار حرب طاحنة على القراد. ما كان هذا طبع إسميث، ولم تكن تلك سبيله، فبدل ذلك اصطبر إلى صيف العام المقبل علم ١٨٩٠، فلما جاء حرّه أجرى تلك التجارب مرة أخرى وزاد عليها، وكلها تجارب بسيطة ولكنه إذ أتهم لم يرد أن يكون اتهامه إلا عن يقين. فتساءل:(كيف ينقل القراد الداء من بقرة جنوبية إلى بقرة شمالية، ونحن نعلم أن القرادة تقضي حياتها كلها على ظهر بقرة واحدة، وهي لا تطير كالذباب من بقرة إلى أخرى؟. .) وهذا سؤال لا شك عويص، أعوص من أن يحله البقارون بمعارفهم الساذجة. فنصب إسميث نفسه ليردَّ عليه.
فتفكر ثم قال:(لا بد أن القراد يمتص من الدم ثم يمتص حتى إذا امتلأ وبلغ واستوى، سقط فانهرس على الأرض، فخلّف على الحشيش المكروب الكمثريّ الشكل الذي كان بالدم الذي استقاه، فجاء البقر الشمالي فأكل الحشيش ومكروبه)
وعلى ذلك أخذ آلافاً من القراد الذي جاء في الصفائح من الجنوب، وخلطها بحشيش جاف، وأطعمها بقرة شمالية لا تقوى على دفع الحمى، كان أسكنها حظيرة وحدها، واعتنى عناية مختارة بها؛ وانتظر أن يأتيها الداء فلم يأت. وأخذت البقرة تجتر طعامها الجديد هانئة مستمتعة، وازدادت عليه شحماً. وأشرب بقرةً أخرى حساء صنعه من قراد مدهوك، ثم عاد فأشربها ثم أشربها فكأنما أراد أن يغرقها في الحساء إغراقاً. ولكن هذه البقرة أيضاً خُيِّل أنها تستمرئُ شرابها الغريب وحسنت عليه حالها.
فسدت التجربة فأُرتج عليه، إذن فالبقر على ما يظهر لا يأتيه المكروب من أكل القراد. وفي الليل توالت عليه الأسئلة يلقيها على نفسه تباعاً في سلسلة لا تنتهي. وتساءل فيما تساءل: (إن البقر الجنوبي ذا القراد ينزل في الحقل فلا يكون هذا الحقل وبيئاً إلا بعد