للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كائن حي حتى الحيوان الذليل. . .

والقوم هناك لا يألون جهداً في توفير أسباب السعادة حيث يعيشون عيشة الفطرة وينزعون عن أجسامهم المنهكة أردية السهرات الأنيقة وملابس العمل الثقيلة. فلا كلفة ولا تصنع ولا رياء ولا حقد ولا مفاخرة كاذبة. تأويلهم المدنية كلهم على السواء، ولا تجعل لأحدهم مجال الفضل على آخر، كأنهم أسرة واحدة يخرجون إلى الشوارع (بالبيجامات) وأثواب النوم. ذلك الأمر المستقبح في مدن العمل والرسميات. يتبادلون المجاملات الرقيقة كأنهم متعارفون متوادون منذ زمن بعيد

ولم يحاول أهل تلك البلاد زخرفة الطبيعة. بل تركوها كما هي بزركشتها الإلهية. وإن كان هناك ثمة مجهود يبذله الإنسان فهو في الاستمتاع بسحر الطبيعة ليس إلا؛ فيتسلق الجبال أو ينزلق على الثلج،. . . الخ. وزاكوبانا في كل هذا كالجمهورية الفاضلة التي أسسها أفلاطون في خياله الواسع!.

تكفي نفسها بنفسها وتعيش بذاتها لذاتها. يكاد يشعر المقيم بها أن تلك المدينة الوديعة هي كل ما يستطيع أن يتصور من الدنيا

وفيها السهرات الصاخبة التي تصل الليل بالنهار، وتجعل السهران يستطيع أن يقول في شيء من الزهو - إن كان هناك ثمة مجال لزهو - (بدأت سهرتي تحت ضوء القمر وختمتها تحت ضوء الشمس!)

وإن أنس لا أنس تلك الليلة البارعة التي أمضيناها في كازينو وتشاسكا حيث سعدنا ساعتين أو يزيد بمشاهدة الرقصات القومية التقليدية التي يؤديها الوطنيون في ثوبهم الوطني الموشى بالقصب والحرير ذي الألوان الفاقعة. يؤدونها رجالاً ونساء وأطفالاً! يختلط الحابل فيهم بالنابل. يأخذ الرجل يد أية امرأة يقع عليها بصره! ويمسك الطفل الغرير - مازحاً - بذقن الشيخ العجوز المائل على حافة القبر! ويحتضن الشاب الغريب الفتاة المكتملة ذات الصدر الناضج! فيدورون جميعاً في حلبة الرقص، يتجاذبون ويصفقون ويلفون لفات سريعة بارعة على كعوب أحذيتهم أو أطراف أصابعهم! ضاحكين متراقصين

وصعدنا مرات جبال تاتري راجلين أو ممتطين (القطار المعلق) إلى حيث ارتفع بنا نحو ألفين وخمسمائة متر فوق سطح البحر! نوع غريب من المواصلات لا يوجد إلا حيث

<<  <  ج:
ص:  >  >>