فينام؛ ثم تتداولين العام فتنبهين قوماً وتنيمين قوما، ويراك قوماً شروقاً وقوم غروبا، وقوم ليلاً وقوم نهارا، وقوم صيفاً وقوم شتاء، وأنت أنت في عليائك لا تملين الحركة ولا تشعرين بنوم أو يقظة، ولا بليل أو نهار
بل بك يجري الدم في عروقنا، فدمنا من غذائنا، وغذاؤنا من حرارتك، تسلطينها على الأرض فتخرجين منها (حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة أبا)؛ بل ما أفكارنا إلا منك؛ أليست أفكارنا من دمائنا، أو ليست دماؤنا منك؟
بل لقد كنت حيناً من الأحيان آله الناس ومعبودهم، فكنت مصدر وحيهم، ومصدر إلهامهم، ووجهة عبادتهم. رأوك مصدر الحياة فعبدوك، ورأوك مصدر النعم فمجدوك، ورأوك يحيط بك كثير من الغموض على جلائك ووضوحك فألهوك، ورأوك أكبر النجوم فرببوك
ولكن إن سلبوك ألوهيتك فلم يسلبوك عظمتك وجمالك وجلالك وكفاك ذلك فخراً
لست ادري أأصاب العرب إذا أنثوها أم أصاب الإنجليز إذ ذكروها؛ لعل الإنجليز رأوا القمر وادعاً جميلاً هادئاً رقيقاً فأنثوه، ورأوا الشمس قوية قاهرة قاسية فذكروها؛ ولكن لعل واضعي اللغة الإنجليز لو عاشوا في عصرنا، ورأوا ما نرى من قوة المرآة وضعف الرجل، وجبروت المرأة واستكانة الرجل، لرجعوا إلى رأي العرب، وآمنوا ببعد نظرهم، وقلبوا المذكر مؤنثاً والمؤنث مذكرا
ولعل العرب أيضاً رأوا الشمس أم الأرض وأم القمر وأم الزرع فأنثوها، إذ لا تلد إلا المرأة؛ ورأوا القمر طفلاً يدور حول أمه فذكروه، واحتاط العرب أن يدرك الشمس شيء مما يلحق الأنوثة فقال شاعرهم:(وما التأنيث لاسم الشمس عيب)
أما الشمس نفسها فلم تعبأ بتأنيث ولا تذكير، كما لم تعبا بمن أنثها وبمن ذكرها
فهي في سمائها تؤدي رسالتها، وتسير سيرتها، وتبهرنا بجمالها، وتوحي إلينا بأسرارها