للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يتصل بأي امرأة دون الأربعين تصادفه. فأشخاصه تساير رغباتها الجنسية لكي ترضي احترامها لنفسها. فهم كمن يأكل لوناً من الطعام دون إحساس بالجوع ولكن لأنه غالي الثمن

قلنا إنه كان تلميذاً وصديقاً لفلوبير. وكان التلميذ يتقبل آراء أستاذه في مواضيع عدة؛ وكان يعتقد أنه يحاكيه في مجهوداته الجبارة في الإنشاء. إلا أنه من الصعب أن يتفق ذلك وسهولة أسلوب موباسان؛ على أن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الإنشاء الفني كان عند فلوبير نصباً وعناء. ولما كان موباسان قد مات في شرخ الشباب، فمن المحتمل أن ننسى أحياناً أنه لم يكن تلميذ فلوبير فحسب، إنما كان تلميذا لدوديه وزولا وأناتول فرانس أيضاً. ومن العبث القول بأن هؤلاء الكتاب الكبار كانت لهم طريقة مشتركة، سواء من الوجهة النظرية أو العملية، ولكن إذا تكلمنا على وجه العموم دون تقييد فقد نستطيع القول أنهم يمثلون الحركة المتجهة نحو الدقة والواقعية. فالتنقيب عن الكلمة الملائمة أكثر من سواها، والقول بان الفنان ينبغي أن يسدد نظره إلى الموضوع، وألا يقبل المقاييس العامة لتنظيم تقديرات الشخصية كانت ميول المدرسة والوقت. والدقة الجميلة في عمل فلوبير تدين لمبدئه وطريقته، على حين أن أدب زولا الواقعي كان في الحقيقة منتخبات من أجزاء من الطبيعة أثارت اهتمامه أكثر من سواها. وبعد، أليست ماهية الفنان وعمله مهما حاول أن يوضحه، أننا في النهاية نجده لم يصور الحقيقة وإنما غيرها؟ فإذا سما بهذا التغير نحو الجمال فقد نجح، وإذا انحط به إلى القبح فقد أخفق. وكان موباسان فناناً مجيداً لدرجة تسمو به عن الإسفاف المطلق، فأن أرخص قصصه له ميزة الابتكار، ولكنا نرى النقاد في بعض الأحيان قد بالغوا في مدحه، مع محاولته أن يكون طبيعياً نجده أحياناً يهبط إلى القيود البيانية، ويسمح أحياناً بالعواطف الزائفة

ولقد كان غالباً ما يبدأ قصصه بمقدمة يقصد بها أن يهيئ القارئ لحالة عقلية خاصة، وهي طريقة خطيرة إن لم تنجح فقد تكون مملة، وقد تحمل القارئ بعيداً عن الأثر. ولقد كان يختار أشخاصاً عاديين، ويحاول أن يظهر ما في أعمالهم العادية وحياتهم من الفواجع، وكان يختار الحادث الذي لا أهمية له ويخرج منه كل ما يستطاع من المواقف المؤثرة، وهي طريقة تساعد على خلق الانتباه للقصة. وكان يكتب ويفرط في الكتابة، وكان أيضاً يتخذ موضوعاً متشابهاً حتى (بول دي سويف) التي سببت شهرته تعطينا مقارنة سهلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>