إن العالم يدور دورته الخفية حول موجدي السنن الجديدة. وحول لاعبي الأدوار على مسرح الحياة يدور الشعب وتدور الأمجاد، وعلى هذه الوتيرة يسير العالم
إن للاعب الأدوار ذكاءه، ولكنه لا يدرك حقيقة هذا الذكاء لانصباب عقيدته إلى كل طريقة توصله لخير النتائج والى كل أمر يدفع بالناس إلى وضع ثقتهم به
غداً سيعتنق هذا الرجل عقيدة جديدة، وبعد غد سيستبدل بها أجد منها. ففكرته تشبه الشعب تذبذباً وتوقداً وتقلباً
إن ممثل الشعب يرى بالتحطيم برهانه، وبإيقاد النار حجته، وبإراقة الدماء افضل حجة وأقوى دليل. إنه ليعتبر هباء كل حقيقة لا تسمها إلا الآذان المرهفة، فهو عبد الآلهة الصاخبة في الحياة
إن ميدان الجماهير يغص بالغوغاء المهرجين، والشعب يفاخر بعظماء رجاله فهم أسياد الساعة في نظره. ولكن الساعة تتطلب الإسراع من هؤلاء الأسياد، فلذلك يزحمونك، ياأخي، طالبين منك إعلان رفضك أو قبولك، والويل لك إذا وقفت حائراً (بين)(نعم) وبين (لا)
وإذا كنت عاشقاً للحقيقة فلا يغرنك أصحاب العقول الرعناء المتصلبة، وما كانت الحقيقة لتستند يوماً إلى ذراع أحد هؤلاء المتصلبين
دع المشاغبين وارجع إلى مقرك، فما ميدان الجماهير إلا معترك يهدد سلامتك بين خنوع (نعم) وتمرد (لا). إن تجمع المياه في الينابيع لا يتم إلا ببطء، وقد تمر أزمان قبل أن تدرك المجاري ما استقر في أغوارها
لا تقوم عظمة إلا بعيداً عن ميدان الجماهير وبعيداً عن الأمجاد، وقد انتحى الأماكن القصية عنها من أبدعوا السنن الجديدة في كل زمان
اهرب، يا صديقي، إلى عزلتك. لقد طالت إقامتك قرب الصعاليك والأدنياء، لا تقف حيث يصيبك انتقامهم الدساس وقد اصبح كل همهم أن ينتقموا منك. لا ترفع يدك عليهم فان عددهم لا يحصى، وما قدر عليك أن تكون صياد للحشرات. انهم لصغار أدنياء ولكنهم كثرة. ولكم أسقطت قطرات المطر وطفيليات الأعشاب من صروح شامخات. ما أنت بالصخرة الصلدة، ولشد ما فعلت بك القطرات، ولسوف يتوالى ارتشاقها عليك فتصدعك