رمضان سنة أربع عشرة في موضع يعرف ببلاط الشهداء وبه عرفت الغزوة (ونقل في موضع آخر) وذكر انه قتل (والإشارة هنا خطأ إلى السمح ابن مالك) في الواقعة المشهورة عند أهل الأندلس بوقعة البلاط، وكانت جنود الإفرنجة قد تكاثرت عليه فأحاطت بالمسلمين فلم ينج من المسلمين أحد. قال ابن حيان، فيقال أن الآذان يسمع بذلك الموضع إلى الآن (ونقل عن ابن حيان) قال دخل الأندلس (أي عبد الرحمن) حين وليها الولاية الثانية من قبل ابن الحبحاب في صفر سنة ثلاث عشرة ومائة وغزا الإفرنج، فكانت له فيهم وقائع جمة إلى أن استشهد وأصيب عسكره في شهر رمضان سنة ١١٤ في موضع يعرف ببلاط الشهداء، قال ابن بشكوال (وتعرف غزوته هذه بغزوة البلاط)
هذه الفقرات والإشارات الموجزة التي تكاد تتفق جميعها في اللفظ والمعنى هي ما ارتضت الرواية الإسلامية أن تقدمه إلينا في هذا المقام، وان كان في تحفظها ذاته ما ينم كما قدمنا عن تقديرها لرهبة الحادث وخطورته، وبعد آثاره. وإذا كان صمت الرواية الإسلامية تمليه فداحة الخطب الذي أصاب الإسلام في سهول تور فان الرواية النصرانية تفيض بالعكس في تفاصيل الموقعة إفاضة واضحة، وتشيد بظفر النصرانية ونجاتها من الخطر الإسلامي، وترفع بطولة كارل مارتل إلى السماكين. وتذهب الرواية النصرانية، ومعظم كتابها من الأحبار المعاصرين في تصوير نكبة المسلمين إلى حد الإغراق فتزعم أن القتلى من المسلمين في الموقعة بلغوا ثلاثمائة وخمس وسبعين ألفا في حين انه لم يقتل من الفرنج سوى الف وخمسمائة. ومنشأ هذه الرواية رسالة أرسلها الدوق أودو إلى البابا كريكوري الثاني يصف فيها حوادث الوقعة وينسب النصر لنفسه، فنقلتها التواريخ النصرانية المعاصرة واللاحقة كأنها حقيقة يستطيع العقل أن يسيغها. بيد أنها ليست سوى محض خرافة فإن الجيش الإسلامي كله لم يبلغ حين دخوله إلى فرنسا على أقصى تقدير اكثر من مائة الف والجيش الإسلامي لم يهزم في تور ولم يسحق بالمعنى الذي تفهم به الهزيمة الساحقة، ولكنه ارتد من تلقاء نفسه بعد أن لبث طوال المعركة الفاصلة يقاتل حتى المساء محتفظا بمراكزه أمام العدو ولم يرتد أثناء القتال ولم يهزم. ومن المستحيل أن يصل القتل الذريع في جيش يحافظ على ثباته ومواقعه إلى هذه النسبة الخيالية. ومن المعقول أن تكون خسائر المسلمين فادحة في مثل هذه المعارك الهائلة، وهذا ما تسلم به الرواية الإسلامية