مفزعهم من الحزن والقنوط في (الفضيلة الاجتماعية): في الأخلاق القويمة التي تكسب الإنسان حسن الأحدوثة الموروث حبها عن العرب الأقدمين، وتنجيه من شرور المجتمع الذي لا يد له بإصلاحه، والذي لا تنال شروره عادة إلا من يستهدف لها بسوء فعله، وتكسبه رضى ربه وتضمن له عقبى الدار. ومن ثم زخر الأدب العربي بروائع الحكم ونبيل التمدح بمكارم الأخلاق، وهذا باب من أشرف أبواب الأدب العربي وبه يمتاز على غيره، ومن محاسن ما فيه من ذلك قول إياس بن القائف:
إذا زرت أرضاً بعد اجتنابها ... فقدت صديقي والبلاد كما هيا
فاكرم أخاك الدهر ما دمتما معا ... كفى بالممات فرقة وتنائيا
وقول الشريف:
لغير العلا مني القلى والتجنب ... ولولا العلا ما كنت في العيش أرغب
فالعرب كانوا منذ جاهليتهم أمة اجتماعية ذات ميل غريب إلى الاجتماع، وفضيلة اجتماعية أصيلة، واستعداد متمكن للتحضر والتعاون، وأن يكونوا أمة مصلحة، يأنسون بالاجتماع ويتفاخرون بحسن الجوار وسيادة العشيرة وخدمتها معاً، ويشتغلون بمتعات تلك الحياة الاجتماعية عن طول الندب لنقائص الحياة وشوائبها، وطول التشكك والتحير في منشأ الكون ومنتهاه، وميلهم الطبيعي ذاك واضح الأثر في شعر شعرائهم، وفضيلتهم الاجتماعية تلك هي مرجع ازدهار العمران في كل بلد وطئوه، حالما وطئوه، على حين نشر الإغريق الخراب في شرقي البحر الأبيض حين هبطوه، واستغرقوا قروناً طويلة في الاستقرار وتشرب الحضارة.