للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يتصور الإنسان وجودها في مملكة واحدة

إنني كثيراً ما تصفحت التقارير التي قدمها الخبراء الفنيون الذين استقدمتهم الحكومة المصرية للاسترشاد بآرائهم في إصلاح معارفها، وأوردت أن اطلع على رأيهم في هذه الثنائية، ولو من خلال التقارير التي قدموها؛ وعلمت أنهم لاحظوا هذه الثنائية؛ غير أنهم لم يبدوا أي اعتراض عليها. ويغلب على ظني أن السبب في ذلك كان اعتقادهم بأن هذه الأمور تتعلق بتقاليد مصر ونزعاتها التي لا يجوز المناقشة حولها. لأنهم قسموا النظام التعليمي في مصر إلى قسمين، عنونوا أحدهما بعنوان (المدارس التي على النمط الأوربي) واكتفوا بإبداء بعض الملاحظات لإصلاح كل واحد من هذين النظامين على حدة: غير أني أرى من الضروري أن نتساءل قبل كل شيء: هل يجوز أن يكون في مملكة واحدة نظامان من المدارس، أحدهما على (نمط أوربي) وثانيهما على (نمط محلي أو غير أوربي؟)

أنا أعتقد أن ذلك مما لا يجوز بوجه من الوجوه. فعلى مصر أن تأخذ من الأنماط الأوربية ما يلائم حالاتها وحاجاتها، ثم توجد نمطاً قومياً خاصاً بها. فلا يجوز لها مطلقاً أن تؤسس صنفا من المدارس (على النمط الأوربي) بجانب صنف آخر يبقى على نمط غير أوربي. وإذا كان لوجود هذين النمطين بعض المستوجبات والمبررات في بدء تأسيس المعارف، فلا يمكن أن يكون لبقائهما الآن أي موجب بعد أن وصلت مصر إلى هذه المرحلة من مراحل نهوضها، وبعد أن صارت تحكم نفسها بنفسها. . .

يظهر أن مصر الفت هذا النظام المزدوج منذ مدة طويلة. ولعل هذه الألفة الطويلة كانت من أهم الأسباب التي حالت دون انتباه مفكري مصر إلى أضرار هذا النظام.

غير أنني أعتقد أن إعادة النظر في أسس النظام التعليمي في مصر على مبدأ (توحيد أسس الدراسة) أصبحت من أهم الإصلاحات الضرورية لمصر في بدء عهد نهضتها السياسية والاجتماعية الحديثة. فإن بقاء نظام التعليم على ما هو عليه من الثنائية يكون خطراً على وحدة الشعور التي يجب أن تسود البلاد.

قد يقول قائل: لا خوف على وحدة الشعور في مصر أبدا لان هذه الوحدة تجلت بأجلى مظاهرها خلال كفاح المصريين الطويل ضد الحماية والاستعمار؛ غير أنني أقول بأن (وحدة الشعور) التي عملت عملها خلال ذلك الكفاح كانت (وحدة) من نوع خاص، تكونت

<<  <  ج:
ص:  >  >>