الزمن. وتهذبت سريرته من شوائب الغنى وكفر المادة؛ وبذلك أسلمت نفسه بالحقيقة وحسن إسلامها.
الفقر في ذاته قبيح شديد القبح؛ ولكنه في عمله جميل رقيق الجمال، إذا نزل بالرجل مسخه وبدل في طبيعته، وصير منه للناس الفقراء رجلاً خفيفاً محبوباً، وصير منه للناس الأغنياء رجلاً ثقيلاً مبغضاً، وصير منه بين أولئك وهؤلاء رجلاً بين المحبوب والمكروه. . . فيصبح الرجل بفقره ثلاثة رجال، لكل منهم روح خاصة تضعه في مكانه من الإنسانية
وإذا رضى الله عن رجل ممن ولدوا أغنياء واحبه امتحنه بمحنة الفقر ليخلق منه إنساناً في أرفع درجات الإنسان، وإذا غضب رجل ممن ولدوا فقراء ومقته هيأ له الغنى وغمره به، ليخلق منه رجلاً آخر بين الإنسان والحيوان. . حتى إذا أراد الله وعاد الأول إلى غناه وعاد الثاني إلى فقره شعر كل منها بنعمة الفقر
وإن الفقير ليتعلم من فقره القناعة فيجد سعادته في قناعته، كما يتعلم الغني من غناه الجشع فيجد شقاءه في جشعه. . .
ولا يعرف الفقير أنه فقير إلا إذا عرف أن غيره غني. . . ولا يشعر بوجود الفقر معه إلا إذا شعر بامتناع الغني عليه؛ فإذا اجتمع قوم من الفقراء ولم يكن بينهم واحد من الأغنياء، لم يجدوا للفقر مَضَضاً ولوعة، ولم يحسوا أنهم الفقراء. . . حتى يكون منهم أو يكون بينهم ذو يسار فيرونه في مباهج النعيم ومناهج السعادة، فيفكرون فيجدون في حياته حياة أخرى لم يألفوها ولم يعرفوها، ثم يفكرون فيجدون في حياته فراغاً لا يملؤه إلا المادة، ونقصاً لا يسده إلا الثراء. ثم يفكرون فيعرفون أنهم فقراء. . .
والفقراء في هذه الحياة مظلومون لأنهم يحرمون بقدر ما يعملون. . .
والفقر يمتاز من الغنى بأنه ألزم للحياة وادعى لسلامتها. فليس الناس إذا جمعهم الفقر فصاروا جميعاً فقراء، كالناس إذا جمعهم الغنى فصاروا جميعاً أغنياء. . إذ لو أراد الله الحالة الأولى لوجدنا الناس كتلة واحدة مبنية على الطهارة الفطرية مدعمة بالإخلاص الروحي؛ يتبادلون المعروف ويتعاونون على أيامهم بمناعة الأيمان وقناعة النفوس. . . فتصلح لهم وتصلح بهم الحياة، ويعيشون في نعيم دونه نعيم الغني. . .
ولو أراد الله الحالة الثانية لوجدنا الناس كالوحوش بنفوس داجية وعقول ضارية؛ يتعشق