وتوجد عوامل لتعب العضلات غير الإفراط في بذل رأس ماله الحيوي، ذلك بأنها ميدان حياة وموت، إذ تحمل إليها الشرايين مواد حية وتنقل منها الأوردة مواد ميتة. ومن مظاهر الحياة الغريبة أن كل عضو يصنع سماً لنفسه وهو يؤدي حركة من حركة
فالتعب يتوقف على مقدار ما تفرزه العضلة من السم الضار بها كما يتوقف على ما تدخره بقية أجزاء الجسم من قوة تعين بها تلك العضلة على مقاومة ما يعتريها من وهن بإزالة السموم وجلب مواد حية جديدة.
على أن كل عمل تأتيه العضلات يشاركها فيه المخ والأعصاب، وما ينجم من تعب لا يصيب العضلات وحدها. ومن المشاهد أن الإنسان قد يبلغ به الجهد حد الإعياء، ومع ذلك قد يدفعه الفرح أو الخوف المفاجئ إلى إتيان ما كان يظنه منذ لحظة مستحيلاً، وقد تشل حركتنا وتنضب قوتنا من تأثير انفعال مباغت. ولما كانت العضلات لا تحس ولا تشعر ولا تدري بما يفاجئ، فلا يمكن أن تتأثر بالانفعالات، فالتعب الذي يمحوه الأمل أو الذي يعجل به اليأس لا يمكن أن يعزى إلى العضلات بل لابد أن يكون مصدره الجهاز العصبي.
وهنا يجب التنبيه على التفرقة بين الأعصاب والجهاز العصبي فالأعصاب لا تتعب مطلقاً، وإنما الذي يكل هو المخ أو الإرادة، وهذا ما نقصده بالجهاز العصبي، وهو أقل قدرة من العضلات على تحمل التعب. ولعل سرعة تكرار ذبذبة الأمواج الصوتية والضوئية وغيرها مما يجتهد المخ مسجل الاحساسات، فأننا لنرى أن الصوت المستمر يأتي علينا وقت لا نسمعه كما نفقد الشعور بلمسة واصبة ولا نشعر بحلاوة ما نأكل أو نذوق من مادة سكرية نأكلها أو نذوقها دون انقطاع، وإحساسنا يكاد يصبح بليداً، دون أن ندرك بفعل التكرار، ولذلك تفقد الملذات لذتها في نظرنا بطول المدة وتشبع الجسم وسآمته
ولما كانت أعضاء الجسم جميعاً مرتبطة في العمل، فالجهد الذي يصيب أحدها لا تسلم منه سائر الأجزاء. . . ولما كان الدم يحمل السموم كما يحمل المواد المنعشة فإن مروره في الجهات الحساسة كالمخ قد يسبب لها اضطراباً وقلقاً أو تخديراً وموتاً.
على أن تلك السموم تفيد بعض الأعضاء التي تتغذى بها أو تحولها إلى مواد غير ضارة أو تقذف بها إلى خارج الجسم، ولذلك تجب علينا العناية بالأعضاء الداخلة وخصوصاً الكبد.