للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكم تحدثنا وقرانا في سيرنا وجلوسنا في الآداب الثلاثة: العربية والفارسية والتركية. وكنت احب أن أقرأ عليه شعره؛ وكان يسره أن يستمع له. وكانت كل أحاديثنا وقراءتنا متعة، نجتمع فيه على الفكر والذوق والأمل والألم. وكان أطيب المجالس مجلساً نفزع فيه إلى شعر محمد إقبال. وهو (رحمه الله) عرفني بإقبال يوم أعارني ديوانه (بيام مشرق) فإذا صفا الوقت عمدت إلى أحد كتب إقبال فقرأت واستمع مقبلاً مستغرقاً يقطع إنشادي في الحين بعد الحين بالاستعادة أو الاستحسان أو التعجب أو التأوه. وشد ما كان يثير إقبال نفسه، أو يثلج صدره! وشد ما كان يحزنه أو يفرحه! وأذكر أننا بدأنا كتاب إقبال (أسرار خودي) فوالينا الجلسات حتى أنهيناه إنشادا، ثم اتبعنا به أخاه (رموزبي خودي) فختمناه على شوق إلى الإعادة

وكنت عرفت أساتذة كلية الآداب بهذا الأديب الكبير، فاختاروه لتدريس التركية بها، فكان محبباً إلى الأساتذة والطلاب يأنسون به ويجلونه ويتوددون إليه

- ٢ -

كرت على هذا الأيام، وعددنا فيه بضع سنين لا يكاد عاكف يغيب ثلاثة أيام لا أراه في حلوان أو كلية الآداب. وكان قوياً صحيحاً مغتبطاً بالعافية، فلم يرعنا ألا أن بدا عليه الهزال والشحوب، وازداد به الانقباض والحزن، فإذا سألناه اخبرنا أن مرضاً قديماً عاوده. وهو يطب له ويرجو الشفاء. ثم بداً له أن يذهب إلى الشام يستمد العافية من السفر وتجديد الهواء، فعاد بعد شهرين وقد استفاد أن مرضه لم يزدد. ثم تغير وتغير فأنكرنا حاله ورثينا له، وإذا الجسم القوى المضمور عظام تحت الثياب، ولكنا كنا نأمل له العافية، ونرتقب أن نغتبط به معافى متهللاً كما كان.

وكان سفري إلى العراق، فتركته راجياً أن ينجده الطب فيسترد عافيته ونضرته، وتطول سعادة أصدقائه وغبطة الأدب به. وكتبت إليه من بغداد فلم اظفر بجواب، ولم يكن ذاك من دأبه. فالتمست له عذرا من المشاغل وتمنيت ألا يكون المرض شغله عن رجع الخطاب، ثم علمت أنه سافر إلى استنبول وأن حاله لا تبشر بالرجوع إلى مصر.

- ٣ -

<<  <  ج:
ص:  >  >>