للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سواه، والوجود الذي لا يرتبط بمكان في معناه!

لم يعد ثمة سماء ولا أرض، ولم يعد ثمة ثبوت ولا تحول ولا زمن ولا خير ولا شر، لم يكن هناك سوى السكون، والتنفس الذي لا يبعث حركة فلا هو إلى الحياة ولا هو إلى الموت.

كنت في بحر من الخمود الراكد تغشاه الظلمة، لا تدرك له نهاية، ولا يسمع فيه صوت، ولا تحس فيه حركة!

- ١٠ -

طافت بعقلي بغتة بارقة من النور؛ كانت غناء حلوا تغنى به طائر، غناء انقطع ولكنه ما لبث أن عاد؛ ولقد كان أجمل سجع سمعته الآذان! طربت له أذناي حتى دارت عيناي تتبعان هذه المباغتة السارة، في تلك اللحظة لم تستطيعا أن تريا إني حليف الشقاء، ولكن حواسي عادت في خطا كئيبة إلى طريقها التي الفتها، ورأيت جدران القبو وأرضه تدور فتلتف حولي في بطئ كما كانت من قبل، ورأيت ذلك البصيص المنبعث من الشمس يزحف كما كان يزحف من قبل؛ بيد أني رأيت ذلك الطائر في تلك الكوة التي دخل منها الشعاع يقف مشغوفاً أليفاً كما لو كان فوق شجرة، بل اكثر ألفة مما لو كان هنالك. كان طائراً جميلاً ذا جناحين أزرقين وغناء جم المعاني؛ ولقد خيل إلي إنه تغنى بتلك المعاني جميعاً من أجلي! وما وقعت عيناي من قبل على طائر مثله ولن تريا بعد شبيهاً له أبداً. وبدا لي كأنما كان يعوزه إلف كما كان يعوزني إلف، ولكنه لم يصل إلى نصف ما كنت فيه من وجد ووحشة. وكذلك بدا لي إنما قد جاء ليهبني حبه، على حين لم يبق لي من يهبني ثانية مثل ذلك الحب. ولقد جعلتني هذه البشرية المنبعثة من حافة القبو أشعر ثانية وأفكر ولست أدري أكان أطلق سراحه حديثاً أم أنه كسر قفصه وجاء ليطل عليّ قفصي! ولكني أيها الطائر الجميل وقد عرفت معنى الأسر لن أستطيع أن أريده لك!

وليت شعري لعله زائر من الفردوس تنكر في جناحين! ذلك إني كنت أفكر أحياناً أنه ربما كان روح أخي هبطت إلي. ولتغفر لي السماء تلك الفكرة، تلك اللحظة التي جعلتني أذرف الدمع وجعلتني ابتسم ولكنه في النهاية ولى بعيداً عني، وإذن فقد كان من بني الفناء؛ عرفت ذلك حق المعرفة. وإلا فما كان ليذرني هكذا في وحدة أحسستها ضعفين: وحدة كنت

<<  <  ج:
ص:  >  >>