للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لا. . لم نخسر بأن خلقنا في هذا الزمان. وليست العلة أننا موجودون في زمان دون آخر. بل العلة إن العمر إلى انتهاء وأن الحياة إلى نفاذ كائنا ما كان الزمن الذي نحن فيه. ولا خير في تقطيع النفس حسرات على ما عسى أن يكون الغيب منطوياً عليه، وأحجى بالإنسان أن يقصر همه على حاضره فانه هو الحقيقة التي يضيع كل شيء إذا هو ضيعها. ومهما يبلغ من اتساع نطاق الحرية في المستقبل فان حياة الجماعة لا تنتظم إلا بالقيود والحواجز والاسداد. وستظل هناك قيود من ضروب شتى

ومع ذلك ماذا ينقصنا من الحرية في زماننا هذا. . السنا نصنع ما نحب كما نحب وحينما نحب. . ولا شك أن هناك قيوداً وأغلالاً غير قليلة أو هينة، ولكن هذه القيود هي التي تكسب الحياة الطعم وتفيدها المزية والفضيلة. ولست أحاول أن أعزي نفسي بهذا الكلام أو أغالطها به بل أنا أومن بأن الأمر كما أقول والحال على ما أصف

وتصور أن الماء المنحدر من الجبال أو غيرها لم تعترض طريقه الاسداد ولم يمنعه شيء أن يظل يتدفق وينتشر على وجه الأرض حتى يذهب أو ينتهي إلى البحر، أكان من المكن في ظنك أن تتكون بحيرة مثلاً. . وقد لا تكون ثم حاجة إلى البحيرة وقد تحتاج الجماعة في وقت ما إلى محوها من الوجود، ولكن هذا لا يؤثر في القضية ولا ينفي أن البحيرة إنما تتكون بفضل الاسداد التي يلقاها الماء وهو يجري

والطيارة التي تحلق في الجو وتنقلنا إلى حيث نحب وتقصر المسافات وتطوي الأبعاد والتي نعدها من آيات هذا العصر، كيف كان يمكن أن نفعل ذلك لولا مقاومة الهواء لدفع المحرك؟. بل كيف كان يتسنى أن تتحرك لولا هذه المقاومة. ولست أعرف شيئاً في هذه المسائل العلمانية فإني من اجهل خلقه سبحانه وتعالى وتنزه عن العبث، ولكني التفت إلى هذا الأمر يوماً وكنت في طيارة وإنا فيها لمسرورون مغتبطون بهذا التحليق وإذا بها تسقط كالحجر مائة وخمسين قدماً كما قيل لي فيما بعد، وكانت هنيهة قصيرة جداً. ولكنها على قصرها الشديد كانت أقسى ما جربت في حياتي، فقد أحسست أن قلبي صار في حلقي من فعل السقوط المفاجئ لا من الخوف فما اتسع الوقت لخوف أو رجاء. ثم عادت الطيارة فمضت بنا في طريقها وكرت إلى مثل الارتفاع الأول فلم أفهم سبب هذه السقطة المزعجة، فلما نزلنا كدت أنسى أن أسأل عن السر فيما حدث، ولكنني تذكرت بعد أن مشيت خطوات

<<  <  ج:
ص:  >  >>